بعد مشاكسة مقرفة عبر الموبايل ، قال لي وهو غارق في الضحك (اني جواد مسدس .. هل تذكرتني الان ؟!) وهل احد ينسى هذا اللقب ، وقد كان المسدس الذي لا يفارق حزامه، هو هوايته التي لا تدانيها هواية ، ومع ذلك لم يشهره ضد احد الا مرة واحدة ... قلت له بنبرة تقرب من العياط (ايها الملعون .. بعد كل هذه الغيبة الطويلة .. تظهر فجأة .. لا اصدق !) وتبادلنا حديثا طويلا وافق في نهايته على تلبية دعوتي ، ووعدني انه سيحضر يوم الخميس ، ومعه (مفاجأة) رفض الافصاح عنها !. يطرق الباب في الموعد المحدد تماما، أفتحه بلا تحوطات امنية (غير معقول) قلت لنفسي وانا احتضنه وابكي ويبكي ، هل هذه الاناقة هي جواد الذي لم يستطع اجتياز (المتوسطة) والتحق شرطيا في دائرة الامن عام 1984 (انا لا احب هذه الوظيفة ولكنها تزودني بمسدس اقدر على حمله من دون متاعب) تلك هي عبارته العالقة في ذهني وانا اوبخه يومها لاختياره هذا العمل ، لم تمض سوى بضعة شهور على التحاقه بالخدمة ، حتى تشاجر مع زميل له من رجالات الامن في احدى الملاهي الليلية فأطلق عليه النار وارداه قتيلا وهرب الى خارج العراق منذ ذلك التاريخ !!. (اقدم لك الدكتور ماجد ) تلك كانت هي المفاجأة التي وعدني بها ، قلت له (لا تمزح ولا تقل لي انه ماجد رياضيات!) ، وتبادلنا ضحكة سريعة وهو يؤكد لي (انه ماجد بشحمه ولحمه) ويبكي وابكي وانا استذكر المرحلة الاخيرة من الاعدادية، خرجت انا وفشل هو بسبب الرياضيات كانت هذه المادة عقدته على مدى اعوام الدراسة ، وهكذا لم يعبر الاعدادية وهاجر هربا من الخدمة العسكرية . سالني جواد الشرطي ، صديقي القديم (هل تريد مفاجأة اخرى ؟) وسألته (وهل هناك اجمل من هذه المفاجأة ؟!) اجابني (نعم ... ماجد حصل على شهادة الدكتوراه في الرياضيات !) انعقد حاجبي ولساني وعقلي ، وصديقي الشرطي يواصل حديثه ، (يا حسن العاني .... يا متخلف .... انا ايضا حصلت على شهادة الدكتوراه في القانون ) وفلتت مني عبارة لا ارادية (هذا من رابع المستحيلات ) قال لي (هل تعتقد ان العراق هو البلد الوحيد الذي يزور الشهادات والوثائق؟!) وضحكنا كثيرا واستذكرنا احداثا لا تصلح للنشر ، وسألتهما عن مكان عملهما ، اخبرني ماجد (انا مرشح بصفة خبير ، ولكنني افكر بالعودة الى الخارج لان راتبي 25 الف دولار فقط ، هذا ظلم لقد جئت من اجل بناء العراق الجديد ، مثل هذا الراتب اهانه !) واخبرني جواد انه وافق على العمل بصفة خبير بالراتب نفسه ، مع انه ضئيل ، ولكنه تعب من الغربة ، ولا بأس ان اضحي من اجل بلدي على حد تعبيره ، وسألني ماجد (وماذا عنك ... هل انت مرشح) قلت له (انا مرشح للقتل) وضحكنا وهما يظنان انني امزح !!.
|