تجربتي الحياتية الطويلة تفيد، بأن الصحفي الساكن في الأحياء الشعبية الفقيرة، يعد في نظر الناس أكثر أهمية من الوزير أو النائب، لأنه يتابع همومهم اليومية قبل الانتخابات وبعدها، وقد لمست مدى حبهم ورعايتهم لي طوال السنين التي أمضيتها في مدينة الشعلة، وما زلت حتى هذه اللحظة، ففي أيام الصراع السياسي (شيوعي- قومي)، حمتني الناس من عنف الرفاق الشيوعيين والبعثيين على حد سواء، وكانوا ينظرون إليّ مثل الزعيم الأوحد، فوق الميول والاتجاهات، وفي أيام التهجير الطائفي، حمتني من العصابات المحسوبة على السنة والشيعة وهم منها براء!! اعتقد أن مواطني الأحياء الشعبية محقون في احتضانهم للصحفي، وأنا واحد منهم، فقد نشرت على سبيل المثال مقالة في جزيرة (المستقبل العراقي)، ضمن الزاوية التي اكتب فيها، طالبت الحكومة فيها، بأن تلتفت إلى الفقراء وبطاقتهم التموينية التي وصفتها بمتلكئة التوزيع رديئة النوعية، وقد أثارت المقالة اهتمام المواطنين في منطقتي، ثم نشرت لاحقا مقالة جديدة في المكان نفسه، دعوت فيها إلى حجب البطاقة عن غير المحتاجين على وفق ضوابط محددة ذكرتها بالتفصيل، وتتم الإفادة من هذا الحجب لتحسين مفردات البطاقة (كما ونوعا)، وقد أثارت المقالة اهتماما اكبر لدى سكان الحي، حتى أصبح القصاب وباعة الخضراوات والفواكه لا يغشونني، يختارون لي افضل النوعيات، ويوم قررت الدولة حجب البطاقة عن غير المحتاجين، اعتقدت الناس ان القرار جاء استجابة لدعوتي، ولذلك تجمهر المواطنون أمام بيتي وأصروا على حملي فوق أكتافهم، وساروا في تظاهرة ضخمة وهم يهتفون باسمي، كوني نصير العمال والفلاحين والكادحين على حد تعبيرهم، وتوجه الجميع صوب المنطقة الخضراء، لولا أن قوة ترتدي الزي العسكري ظهرت في منتصف الطريق وهاجمت التظاهرة بدعوى أنها غير مجازة، وهكذا هرب المتظاهرون واختفوا عن الأنظار، فيما سقطت من الأكتاف أرضا وتعرضت الى كسر في الفقرة الرابعة، وتم اقتيادي إلى جهة مجهولة، ولكن سرعان ما أطلق سراحي بفضل ابن عمي الذي يعمل ضمن حماية السيد الوزير، فلولاه ما كان بمقدور شيبتي ولا النقابة ولا مؤيد اللامي ولا فاضل ثامر ولا سلمان عبد الله (رئيس جمعية الرفق بالإنسان) أن يشفعوا لي أو يستدلوا على مكاني!! كان يوما لا ينسى في حياتي، وزادت شعبيتي وجماهيريتي بين أهالي الشعلة، غير أن وزارة التجارة، قامت فجأة بتقليص مفردات البطاقة بدلا من زيادتها، وهو الأمر الذي اثأر غضب الحي ودفع مواطنيه الى التجمهر امام بيتي، ومطالبتي بمغادرة المنطقة في مدة أقصاها 3 أشهر بحجة ان مقالاتي هي التي ذكرت الدولة بالبطاقة التموينية، ودفعتها الى تقليص مفرداتها، ولو لم اكتب لما تعرضت بطاقتهم إلى ما تعرضت اليه، ومن هنا وجدت نفسي في ورطة لا احسد عليها، ولذلك راجعت وزارة التجارة وتوسلت إليها ان تتراجع عن قرارها، إلا انها رفضت زاعمة أنها اعرف بمصلحة المواطن الكريم، وراجعت وزارة الهجرة والمهجرين لإنقاذي من التهجير الإجباري الذي أتعرض له، غير انها رفضت التعاون معي، فانا لست مهاجرا الى البلاد بريجيت باردو أو مارلين مونرو، ولست مهجرا في داخل وطني لأسباب دينية او قومية او مذهبية، وليس لديها بند يشير إلى مساعدة المهجرين الذين يكتبون مقالات يمكن أن تزعج الحكومة او تثير غضب الناس، ولم يبق أمامي سبيل إلا مناشدة أقاليمنا وحكوماتنا المحلية وشيوخ العشائر لقبول لجوئي الإنساني!!
|