عبارة (كل هؤلاء قتلوا الرجل) تكاد تساوي عبارة (لا أحد قتل هذا الرجل) ... وبرع الأجداد في نجدة القاتل, وانقاذه من الإدانة والقصاص, بتوزيع دم الضحية على القبائل والعشائر وإضاعته بينها .. وبما يسهل استمرارية القتل .. تفتق عقل الأحفاد عن تطوير وتوسيع هذه الممارسة, وتعميقها... ربما عن غير قصد واضح لإضاعة دم القتيل، بل إطاعة لطبع, وانقيادا لميلول أن منطق ومسار الأحداث أفضى لاجتماع القبضات في قبضة واحدة تمسك بالسكين .. والاهم أن الغنيمة تعشي العيون والقلوب... وتنتقل اللقمة إلى غيرها التي تحدث عنها الإمام والتي يغص بها أكلها.. فهذه اللقمة يهنأ ويمرأ أكلها.. انها السلطة.. العراق هذه المرة هو القتيل, وهو المغنم, وهو اللقمة المريئة, وقد تظاهرت وتساندت وتعاهدت عليه كل العشائر والقبائل السياسية وقتلته وأضاعت دمه بين قوائم الكراسي وأرصدة البنوك... السباق والتهافت والإمساك بطرف من (الكيكة) وخطف من المائدة وان كان من الفضلات خير من الخسارة.. فالفرق بين اخذ شيء وعدم أخذه هو الفرق بين حياة وثيرة وبين موت بالغ البؤس.. هذا السباق والتهافت مع اليقين الذاتي بعدم الجدارة وعدم الاستحقاق.. والريبة المرافقة لهذا الواقع قد طوح بالعراق إلى مصير غير مسبوق في الفساد والتمزّق وطول الوقت والتشويه الشنيع وبأعصاب باردة للمقدس.. ولم تعد لقمة الإمام لتخنق أكلها.. وما عاد (التقاة) يتوجهون إلى السلطة (على عمى عيونهم) وعلى غير رضاهم.. فللوقت (منطقه وضروراته) وهكذا تقدم العراق قوائم العالم في الفقر والجوع والأمية واليتامى.. لو توفرت الثقة والنيّة الطيبة, والجامع على الحق, ولو تذكر الساسة انه لا أكثر إرهاقا واعياء من العراقي, ويثير شفقة حتى الضباع... وانه لا أبشع من الحالم بكرسي من عظام يقيمه في مقبرة... لو أنهم كانوا صادقين في شعورهم بحال شعبهم لوجدوا الطريق إليه وإنقاذه... ولما أخذتهم قاعدة العصفور في اليد والإمساك بالمنصب لا السعي للخدمة.. ولتنازلوا.. وليتقدم من يعمل ويضحي ويتعهد بالإنقاذ.. ويتحمل النتيجة... ليتقدم أي طرف ويتحمل المسؤولية...لا قطف المنصب... ويتهيأ لتقديم كشفه وحسابه في نهاية فرصته... هذه ليست شركة.. هذا عراك وقتال للاقتسام ونهب ما يمكن نهبه بعنوان (محترم) لم يتركوا فيه ذرة من احترام... وتأكد مرة أخرى ان بعض العراقيين من فصيلة القطط لا يصلحون لتشكيل فريق.. لا لأن كل واحد فيهم سيد نفسه ويشكل وحده فريقا, بل لأنه عبد جوعه, وأسير تصوراته وثقافته الضحلة.. ولأنه من الإدقاع واليأس ونقص الكبرياء يريد شيئا بيده ولا يرى حشد العصافير على الشجرة.. لينفرد في القرار أي طرف, أغلبية أو أقلية.. وليفتخر بنجاحه ان نجح وليطالب بتاج النور.. والمجد... أو ليضع المشنقة في عنقه ويتكلل بالعار هو وأفكاره وشعاراته ومن يقف خلفه...
|