مع اقتراب القرن الماضي من نهايته ، اوشكت احدى شركات الطيران الغربية على اشهار افلاسها ، وتسريح منتسبيها ، وعرض ممتلكاتها للبيع ، على الرغم من كونها شركة عالمية ، ذات سمعة طيبة ، ولكن الحظ لم يحالفها ، ففي اكثر من رحلة تشاء المصادفات السيئة ان يحدث خلل فني لهذا السبب او ذاك ، وهو الامر الذي جعل المسافرين يعزفون عن خطوطها !!. فجأة تقدم الخبير الفني بمقترح غريب اثار دهشة مجلس الادارة ، حيث رفع تقريرا علميا مفصلا اوضح فيه ، انه ليس من المنطق ايقاف الشركة لان سوء الحظ لازمها في بضع رحلات ، وهو امر يمكن ان يتعرض له الجميع ، ومواجهة هذه المعضلة يسيرة جدا، وذلك باعتماد ثلاث نقاط الاولى تغيير اسم الشركة ، والثانية طلب قرض من المصرف لا يزيد على ملياري دولار بضمانة الممتلكات ، والثالثة تحويل طبيعة العمل من شركة الطيران الى شركة نقل جوي وبري وبحري !!. تدارس المجلس بأهتمام كبير فقرات المقترح بحضور الخبير الذي اقنعهم بصواب فكرته، ونصحهم ان ينشروا اعلانا يفيد بان هناك تخفيضا خاصا للعراقيين قدره (30%) على خطوط الشركة كافة (وذلك لوجود اربعة ملايين عراقي يتنقلون بين لندن وواشنطن وطهران ودمشق وكردستان وشتى مدن العالم ، ويمكن حصر تحركاتهم على خطوطنا ، لان نسبة التخفيض عالية، مهمة بالنسبة لهم) على حد تعبيره !!. اقتنع مجلس الادارة ، وبدأ بتنفيذ المقترح على وجه السرعة ، حيث تم اقتراض المبلغ المطلوب ، كما تم الانتهاء من تجهيز بواخر متطورة ، واسطول نقل بري حديث في زمن قياسي ، وجرى الاتفاق على اختيار اسم جديد للشركة التي باتت متكاملة الخطوط الثلاثة، وتولت مئات الوسائل الاعلامية مهمة الدعاية ، مع التركيز على قضية التخفيض للمناضلين السياسيين العراقيين ، وهذا التوصيف جاء كذلك بعد نصية من الخبير !. حين اطل عام 2003، اصبح كل شيء جاهزا، وشعر اعضاء المجلس ، ان الحظ ابتسم لهم هذه المرة ، فقد كان نظام صدام يلفظ انفاسه الاخيرة ، وسوف يتوجه مئات الالاف من العراقيين الى خطوط الشركة مستفيدين من فرصة التخفيض، وفيما كان قسم الحسابات منشغلا بالارباح الخيالية من عودة الملايين الى العراق، وفيما سقط النظام فعلا ، وبدأ (المناضلون السياسيون) بالتوافد على وطنهم، حدثت المفاجأة التي لم يتحسب لها الخبير ولا مجلس الادارة ، فقد عاد (3%) عبر الطريق البحري ، و (3%) عبر الطريق البري ، و (4%) عبر الطريق الجوي ، في حين فضل (90%) العودة على ظهور الدبابات الامريكية ، لانها وسائط نقل مجانية وامينة ، وتتولى ايصال ركابها الى المكان المطلوب مباشرة !!.
|