قبل 18 سنة تقريبا، انجزت مقالة عن امانة بغداد، قلت فيها ما معناه ، الصحفي الذي يكون على (عجلة) من امره ، ولا يجد موضوعا يسعفه لملء فراغ او سد نقص في الجريدة وهي ماثلة للطبع، فان « الامانة» جاهزة وهي المنقذ الوحيد من «الورطة» . وما عليه الا ان يستذكر او يستحضر اي شارع او رصيف او سوق او حي سكني او حديقة او جزرة لم تتشرف بخدمات الامانة ـ وما اكثر هذه الاماكن وسلبياتها ـ عانت من الاهمال ما عانت ، ثم يدبج مقالته وهو مطمئن البال والضمير !. يومها اغضب هذا الرأي امين بغداد، وعبر عن غضبة بطريقة حضارية، اراد من ورائها تلقيني درسا لا ينسى بعد ان يثبت لي بالملموس : ان افكاري عدوانية ولا اساس لها من الصحة ، ولهذا دعاني الى جولة حرة للتعرف مباشرة على ما انجزته وما تنجزه دائرته من مشاريع «ضخمة». ولبيت الدعوة وتجولنا في مناطق عدة من العاصمة، ثم تناولنا معا وجبة غداء ارستقراطية ، وسألني على المائدة وأنا منشغل بالتهام المزيد من اللحوم التي كنا لا نراها الا في مناسبات الزواج والفاتحة : كيف رأيت شغل الامانة ؟ قلت له وأنا ابتلع « هبرة» من غير مضغ « الامر مفرح حقا» ولكن المشكلة هي ان جهود الامانة جميعها تنصب على الاماكن العامة التي تقع تحت نظر المسؤولين ، اما في داخل الازقة والأحياء السكنية ، فلا وجود للأمانة وعمالها وسياراتها ومشاريعها ، وشعرت من تلافيف الانزعاج على وجهه ، بأنه نادم على وجبة الغداء الارستقراطية التي قدمها لرجل لا يقدر الزاد والملح !!. ما علينا بما مضى ، فقد تغير الحال وتبدل النظام ومضى كل الى غايته ، وبدأت امانة بغداد تعمل بأسلوب جديد، فهي لا تلعن الظلام ولكنها توقد شمعة ، وكان هذا واضحا من جهدها الدؤوب وهي تغرس آلاف الفسائل وتبني المتنزهات والحدائق الكبيرة والصغيرة وتجهزها بالمساطب والأشجار والورود . وتقوم باكساء الشوارع وتعريضها وصبغ الارصفة، وغيرها الكثير من اعمال الصيانة والترميم التي يمكن ان نلمسها بوضوح في العديد من الاماكن العامة. على الرغم من اطنان الانقاض والنفايات والبرك والمياه الاسنة والمجاري الطافحة وأكوام الازبال التي «سدت» الازقة ومنافذها ، وتسلقت اسيجة المنازل . الا ان هذا لم يؤثر في سياسة الامانة وأسلوبها ، فهي لا تلعن الظلام ولكنها توقد شمعة هنا وشمعة هناك في المناطق التي تقع تحت نظر المسؤولين !!.
|