في وقت مبكر من مراهقتي الفكرية التي بدأت على الارجح مع مرحلة الدراسة الاعدادية ، كنت اطرح على نفسي عشرات الاسئلة الدينية والفلسفية والكونية والسياسية والجنسية ، وكان الكثير من تلك الاسئلة اكبر من عمري وثقافتي ، ولهذا ظلت معلقة في ذمة الزمن، ربما اجبت على العديد منها بعد ان اتسعت دائرة معرفتي ، وربما ظل بعضها غامضا ، وفي الاحوال كلها احمد الله انني تخليت عن هذا الهوس بعد 2003 لانشغالي بهوس امني يلاحق الجميع !. احد تلك الاسئلة توقفت عندها طويلا هو : لماذا كان جنود الامام علي (ع) يكسبون معاركهم مع الخصم دائما، ولماذا كان جنود عمر بن الخطاب (رض) يتغلبون على العدو دائما ؟ وكانت الاجابة الوحيدة التي تتوافق مع عقيلة في بداية تكونها الفكري ، ان سبب الانتصار يكمن في قوة علي البدنية ، فهو الفارس الشجاع وحامل السيف الذي لا تصمد امام ضربته بطولة الابطال ، والفتي الذي صرع نجوم المعارك وفرسان الكفر ، ويكمن في درة عمر وشده بطشه التي انزل صيتها الرعب في قلوب الاعداء، وهكذا توطنت روحي عند هذه القناعة ، غير ان هذه القناعة سرعان ما تهاوت بعد ان نضجت قراءاتي وسنوات عمري، ورحت اتساءل : كيف لعلي او عمر ان يحقق تلك الانتصارات المذهلة ، وجيشه اقل عددا وعدة ، وطعامه وملبسه ومرتبه ادنى درجة ؟ ثم ان المسألة اكبر من قوة الرجلين الفردية ، واكبر من ان يكون بين جنودها ابطال صناديد وشجعان لا يهابون الموت ، فالخصم والعدو يمتلك كل موجبات النصر ، لديه كذلك الابطال والشجعان ، ومعه كثرة العدد والعدة واللقمة الدسمة ومع ذلك يخسر !!. ان في الامر سرا ، لعلني محظوظ حين اهتديت اليه وارحت رأسي من تدافع الاسئلة وزحامها ، ومن حيرتي امام هذا اللغز ، وانا اتمعن في سيرة هذين الرجلين ، فهذا ابن ابي طالب لا ياكل اللحمة والهبرة ويترك لجنوده العظمة وفتات الطعام ، بل يأكلون ، وقصعتهم هي قصعته ، ربما يجوع من اجل ان يشبعوا ، ولم يكن له في المعارك سرادق وخدم وحشم في المواقع الخلفية من سوح القتال ، بل كان سيفه يتقدم سيوفهم ، وجسده الى وقع السهام والرماح والسيوف اقرب من اجسادهم ، يتخذ من الارض فراشا ومن السماء لحاقا ، لا يميز بين مقاتل ومقاتل ، وما كان ابن الخطاب يلبس الحرير وجنده يلبسون الصوف، بل كان مثلهم يرتدي خشن الملابس وما توفر منها ، ولا يستأثر لنفسه باثواب تفوق حصتها حصتهم ، وانما حاله من حالهم ، وما كان يمتطي فرسا مطهمة وجيشه يقطعون الطريق سيرا على الاقدام .. وكان الجنود يرون بأم عيونهم موقف قائدهم علي ، وموقف قائدهم عمر ، فكيف لا يندفعون الى القتال بروح من يقاتل من اجل قضية هي قضيته ، وليس من اجل فرد وان كان بمنزلة علي وعمر ؟ ! و ... وما زلت اتساءل : لماذا نمتلك اليوم من العدد والعدة والطعام والتدريب والكسوة ما نفوق به عدونا اللئيم ، ولم نستطع دحر الارهاب الذي يصول ويجول ويمتلك المبادرة ويقتل ويفجر .. فأين المشكلة يا سادة ، افتوني مأجورين !!.
|