لا احد على ما اعتقد يمكن ان يزداد على النضال الوطني ، والمواقف البطولية التي سطرها الشعب الفيتنامي ، هذا الشعب الذي ينتمي الى بلدان العالم الثالث والفقر والجوع، فقد صمد مقاتلوه في مواجهة الترسانة الأمريكية الجبارة ، ومقارعة الدبابات والمدافع والطائرات والصواريخ والنابالم بأسلحة بدائية بسيطة ، رشاشات عتيقة، وذخيرة شحيحة، وفؤوس وخناجر وعصي ومناجل، وتواصل ذلك الصمود الاسطوري سنوات طويلة من حرب شرسة ، ومعارك غير متكافئة السلاح والعتاد والتدريب ، ومع ذلك انتصرت إرادة الفقراء والجياع ، وانسحبت القوة العسكرية الاكبر في العالم برؤوس ذليلة وأعلام منكسه !. كان على الحكومة الفيتنامية المشكلة حديثا، وهي تزهو بفرحة الانتصار ، ان تكرم مقاتليها الشجعان بعد انتهاء الحرب ، وهنا بدأت الإشكالية ، فمن هو الذي يستحق التكريم أكثر من غيره ؟ الجواب واضح أمامها ، فالجميع من حقهم ان يحظوا بذلك التكريم ، ورأت القيادة الفيتنامية ، أن أفضل حل هو اختيار مقاتل واحد يكون عنوانا للآخرين وينوب عنهم ، ولكن هذا الواحد يمثل إشكالية اعتبارية جديدة ، وبعد مداولات طويلة ، وقع الخيار على امرأة عجوز في السبعين من عمرها ، كانت تتولى إيصال البريد السري والتوجيهات والتعليمات من مواقع الثوار في شتى مناطق وجودهم، وبين قيادة الثورة ، لأنها تستطيع العبور من الحواجز والسيطرات ، ونقاط التفتيش الامريكية بشيء من السهولة ، كونها امرأة مسنة ، رسم التعب والجوع والتنقل ما يكفي من التجاعيد على يديها ووجهها وحركتها ! في يوم الاحتفال المقرر ، حضر الوزراء وكبار أعضاء الحكومة، وزعماء الثورة ، ونودي على السيدة العجوز لتتسلم درع التكريم ، وتقدمت بخطى متعبة ، ووقفت عند المنصة وفاجأت الجميع عندما القت كلمة مقتضبة قالت فيها ما معناه (ماذا فعلت إنا مقارنة بأولئك المقاتلين الذي امضوا زهرة شبابهم في المستنقعات المائية وهم ينصبون الكمائن للعدو ويذيقونه الخوف والموت ، وماذا قدمت انا مقارنة بآلاف الشهداء ممن استقبلوا رصاص الامريكان بصدورهم حتى اجبروهم على الانسحاب مخذولين ، أين انا من مئات النساء اللواتي كن في النهار ربات بيوت ، وفي الليل مقاتلات بين الأحراش، والأدغال والغابات ، كل هؤلاء أحق مني ، ولذلك اعتذر عن قبول التكريم ، لان كل شهيد ومقاتل ومقاتلة أولى به) ، السيدة العجوز يا سادتي لم تطلب ثمنا لنضالها من اجل حرية الوطن، هي ولا إي من الثوار المقاتلين بشيء اسمه : الخدمة الجهادية .. وتلك هي الحكاية !.
|