كانت سيارة (كيا) عامرة بالركاب، بين نازل وصاعد، وبين مستقر في مكانه الى نهاية (الخط)، وكان الركاب خليطا من رجال ونساء وعمال ودشاديش وافندية، في مواجهتي تماما طالبان كانا اكثر الموجودين تذمرا، لم يكفا عن التوقف والثرثرة، والمزاح احيانا، لان المركبة توقفت قرابة نصف ساعة عند احدى السيطرات، الى ان جاء دورها في العبور، مع ان (النقطة) لم تفتش السيارة او احدا من ركابها، ولكن الزحام كان شديدا، وربما العبور بالقطارة او مثل (ناقوط الحب) كما يقولون، سيارة بعد سيارة، ثم توقفت الكيا عند سيطرة اخرى وتأخر مرورها قرابة خمس وعشرين دقيقة، وهو الامر الذي اثار لغطا وقرفا بين الركاب حتى ان احدهم شتم (السونار) بأعلى صوته، فعلق راكب يجلس جوار السائق (يمعود استر علينا .. تره السونارات العراقية مصابة بالزكام، يعني حاسة الشم عاطلة عدها متفرق بين ريحة البارود وريحة البهارات، لكن حاسة السمع عدها قوية .. خاف تسمعك ونبتلي على عمرنا) !وضجت السيارة بالضحك، وفي السيطرة الثالثة، جرت الأمور بسلاسة، حيث لم نتأخر سوى عشر دقائق! قال احد الطالبين لزميله (راح نتأخر عالكلية كالعادة، المحاضرة الاولى طارت علينه، والمحاضرة الثانية ما يسمحون النه بدخولها، والغيابات مشتغلة، يمكن ننفصل السنة من وره الغياب) رد عليه زميله (من حسن الحظ، المحاضرة الثانية اليوم للدكتورة خالدة، ولو أستاذ غيرها كان مصيبة) وعلق الطالب الأول (والله هاي الدكتورة بت اوادم، هم حريصة كلش، وهم تقدر ظروف الطلبة وأوضاع الشارع)! كنت في أثناء ذلك قد بلغت قمة الانزعاج والقرف، وحاولت اشغال نفسي بحديث الطالبين، لأنهما أثارا موضوعا استوقفني، حيث قال احدهما لزميله (تدري محمد ... طلع كلام فريق الاستفتاء صحيح، بس احنه كنا نضحك على معلوماتهم)، ولم انتظر رد صاحبه، فقد لفتت انتباهي حكاية الاستفتاء وفريقها، ودفعني فضولي الشرقي قبل الصحفي الى الاستفسار، وفهمت من الاجابة، أن مجموعة طلبة قامت بطرح استمارة استفتاء عشوائي، شارك في الرد عليها (1600) مواطن بغدادي، وكان السؤال المطروح (هل توافق على رفع الحواجز والسيطرات من الشوارع، وانت تتحمل نتائج التفجيرات)، وقد اجاب بكلمة نعم (1597) مواطنا، فيما أجاب (3) منهم بعبارة (لا ادري)، وعلق احدهما (عمو شيريد يصير إذا رفعوا السيطرات، اكو غير المفخخات، اشو هي ما شاء الله موجودة بليه حساب)، قلت له بلهجة ابوية حكيمة (لاعمو .. شلون يصير ... لو ما السيطرات موجودة، يومية يستشهد مواطن ... يمكن اثنين)، ولا ادري لماذا ضحكا ضحكة عالية تفتقر الى اللياقة !!
|