وهؤلاء المرضى قد سجلوا حجما قياسيا مع الأرقام القياسية لنتائج عملهم.. وقد تخصص العراقي بمعرفة المستقتل على السلطة وفي تعداد صفاته وخواصه، ورسخت في ذهنه مقولة بان الاستبداد شرقي، وأضاف بأنه عربي، وعلى الخصوص عراقي، بحيث بدد أفضل تاريخ وأعظم حضارة، والاهم بدد وأضاع اكبر ثروات العالم، ليس في النفط والمعادن الطبيعية فقط، بل في أرضه وتنوع مناخه وثراء أفكاره وألوان أديانه ومذاهبه وأفكاره.
عرفنا المصاب بداء التسلط انه يرى الأرض والسماء من حالته الشخصية، فالأرض تفرغت لإنبات الزهور بعد ان فاض إنتاجها من الطعام الذي اتخمه، وهناك من اقترح ان يجود على الفرنسيين والسويسريين ويعلمهم الحرية والديمقراطية ورغد العيش وتحضر السلوك، فعاشق السلطة، وبالضرورة طاغية، ولا تمتد أحاسيسه ولا تنوش ما يبعد مليمات عن عالمه، ويتحدث (بصدق يتناسب مع وعيه) عن الحياة الاستثنائية التي وفرها لدائرته ووزارته ولقومه، وان تعرض لسلبيات لابد ان تكون موجودة.مريض السلطة يعاني من ضآلة كبريائه وكرامته وان تظاهر بالنقيض، ولا يغلي شيئا للظفر بالكرسي، وقد ينحر مبادئه وشعاراته المعلنة، ويلجأ الى كل ما يبقيه في الكرسي، وقد يتبرأ حتى من حزبه وأهله وكل ما يحول دون هذا الكرسي، وقد اقتنع احدهم من العاملين مع وزير من هذا الطراز وعرف انه باختبار لمبادئه ولقناعاته ,,فعمد للملمة وجمع أشيائه ومتعلقاته، وسلم بأنه بوجود مؤقت مع هذا (التقي المتواضع الزاهد بالدنيا) والمنطوي على عاشق متيم بالسلطة، وتأكد هذا (العشق) وجاءت الخطوات مستنسخة، فهم متشابهون في السلوك والتصرف، ويبدون أحيانا مثل المنغوليين، واختصاصهم الصغائر، خيانات, دناءات، نذالات، تغاضيات.. يتنكر لأهله وقومه ووطنه، ولكنه لا يجازف ولا تمتد يده لجريمة، وهنا يغدو الجبن فيه مفيدا وقد يبرئه.يعبر التهافت على السلطة عن مركب نقص يتفاوت حجمه من واحد لآخر.. وقد وضعه بعض علماء النفس بوصفه الدافع الرئيسي.. وان مسعى الإنسان هو التغلب على شعوره بالضعف والنقص، وليس كما رأى فرويد بالدافع الجنسي، ويختلف الناس في مسعاهم للقوة حسب استعداداتهم الفطرية وتربيتهم وظروفهم وما يصادفهم، فقد يتحكمون بالقلوب وبقبضة اليد وبالمسدس وبالدين وبأعمال الإبداع وبإضافة معنى لحياة الناس، وقد يجدونها بالسلطة المباشرة، على العائلة مثلا والقسوة عليها وقد تكون بالجلافة والتحيز والعدوان الذي يمارسه البواب والموظف البسيط مع المراجعين، فهؤلاء مشاريع طغاة في زواياهم، وسيكونون أعلاما في الجور والقسوة إذا ما تسنى لهم ان يستلموا سلطة اكبر.المهم ان الطغاة وعشاق السلطة ,بذور ,تحتاج الى التربة المناسبة والمناخ الملائم، والى عناصر التغذية، وهنا، يقال ان العراق هو البيئة الأفضل لإنبات عشاق السلطة ,وان الكرسي العراقي القائم على السحر يبتلع شاغله ويأخذه من أمه وابيه وصاحبته وبنيه، وان هذا الميل الطبيعي ,إذا كان متوازنا أنجب الشعوب والبلدان، وإلا كان الوباء الشامل.
|