البطالة في حقيقتها إنموذج سيء من نماذج الهدر المتعسف والمفرط للموارد البشرية الفاعلة، وهي الظاهرة السلبية الأكثر إيلاما للفرد والمجتمع وللدولة على السواء ، إن فقدان العمل أو تعذر الحصول عليه ، لأسباب خارجة عن إرادة الفرد يعني فقدان الفرد لمصدر دخله ، الذي يعد ضروريا لتأمين شروط الحياة الكريمة له ولمن يعيلهم ، فقد يقع تحت تأثير مشاعر الدونية والانتقاص من الذات، إضافة إلى ما يصاحبها من مشاعر الإحباط والإحساس بالفشل ، وهي مشاعر وأحاسيس سلبية تؤدي بالفرد إلى حالة دائمة من التوتر والشعور بالضيق والعجز عن التكيف مع متغيرات الحياة الاجتماعية،وحالات يتعذر التنبؤ بها من اضطرابات السلوك والشخصية .. كما إن الفرد العاطل غالبا ما يفقد الشعور بالرضا عن الذات وعن الجماعة،وهو يفقد إحساسه بقيمة (الحياة المنتجة) مستسلما لمظاهر انفعالية مؤذية كالحسد والغيرة وكراهية الذات والآخرين، واليأس وإساءة الظن بالهيئة الاجتماعية بشكل عام ، هذا إلى جانب ما هو متوقع في مثل هذه الحالات من نوبات الاكتئاب التي تمسك بتلابيب الفرد العاطل لتشل ما بقي من نشاطه وفاعليته.. إن خطورة هذه المشاعر والأحاسيس التي تستحوذ على الفرد العاطل ، وان كانت بدرجات مختلفة تكمن في كونها من وجهة نظر علم النفس وعلم الاجتماع مقدمات خطيرة من شأنها إن تمهد لتفكك المنظومة القيمية لديه، ليكون على المستوى النفسي/ ألقيمي مستعد للانخراط بأنواع (السلوك المضاد للمجتمع) والتورط في إشكالات من الانحرافات السلوكية ، وإشكالات مختلفة من الجريمة قد تبدأ بالسرقة والسلب وتجارة المخدرات لتصل إلى القتل وأعمال الإرهاب .. وقد يلجأ العاطل المسؤول عن إعالة آخرين للجوء إلى كل الطرق المشروعة وغير المشروعة، خشية من وقوع العائلة في دائرة (الفقر) بكل ما قد يترتب على ذلك من نتائج ومردودات سلبية معروفة من بينها (التفكك الأسري) وما يقضي إليه من التشرد أو التسول ، أو السقوط في وهاد السلوك الإجرامي والبغاء. ولعل من بين اشد إفرازات البطالة ونتائجها وطأة على مجتمعنا هي تلك التي ترتبط بالجوانب الأمنية ، فهي تعد من بين أسوء مصادر السلوك المضاد للمجتمع ، فتحت وطأة الحاجة وضغوط الفراغ ، وما يترتب جراؤها من مشاعر (الاغتراب) والضياع يكون العاطلون أكثر ميلاً واشد استعدادا للسقوط في شراك الأعمال غير المشروعة ، وصيدا سهلا لشبكات العنف والإرهاب والجريمة بكل أبعادها واتجاهاتها .. إن تشريع قانون التأمين الاجتماعي لحصول العاطل عن العمل راتبا شهرياً لحين وجود العمل وتشغيله أصبح أساسياً وضرورة ملحة اليوم .. و بغير ذلك فمجتمعنا في طريق التيه ..
|