العراقيون شعب متطرف، يميل الى المبالغة في كل شيء، فإذا نزلت ضيفا على صديقك، يعد لك مائدة فيها عشرة أنواع من الأطعمة، وتكفي لعشرين شخصا، ويحلفك بالله أو بطلاق زوجته أن تأكل من الأنواع جميعها، حتى لو أقسمت له انك تتبع حمية غذائية، أن قولونك سينفجر، وإذا مات صديق عزيز على قلبه ظل يبكي عليه ويلطم وجهة طول العمر وإذا اخطأ صديق بحقه، وهو من أوفى أصدقائه لا يتوانى عن قتله بدم بارد، هكذا نحن، المبالغة ترافق أقوالنا وأفعالنا وسلوكنا، يتحدث احدنا مثلا عن المسؤول الفاسد فيقول، انه من رجل حافي القدمين الى رجل يمتلك مليارات الدولارات، بينما الحقيقة انه لا يتملك سوى ملايين الدولارات والفرق واضح بين الملايين والمليارات !! وبسبب هذه المبالغة يصف العراقيون دوائر الدولة وموظفيها جميعهم بدون استثناء أنهم مرتشون، وان المواطن لا يستطيع أن ينجز معاملة في الطابو أو التربية أو البلدية أو الزراعة أو المرور أو المجالس البلدية .. الخ ولا يستطيع الحصول على تعيين وظيفي او عقد عمل من دون أن يدفع رشوة، بل وبلغ تطرف البعض منا إلى القول : إن الرشوة في دوائر الدولة، تحولت الى ظاهرة من نوع خاص، أي أنها خضعت الى تسعيرة معلومة، من ذلك على سبيل الفرض أن عمولة (رشوة) اصدار بطاقة السكن تكلف (100) ألف دينار وأجازة السوق (150) ألف دينار، وعمولة العبور الجامعي من مرحلة الى مرحلة (500) ألف دينار، وعمولة التعيين بدفترين أي بلغة الدولار التجارية .. وكل هذا الكلام غير صحيح، أو مبالغ فيه جدا، حيث لا يبدو مقبولا أن يكون الموظفون جميعهم مرتشين نعم .. قد يكون هناك 70% أو 75% في الحد الأعلى منهم يتقاضون عمولة ولكن ليس الكل وسبب هذا اللغط الشعبي حول الفساد المالي، هو المبالغة العابرة للمنطق ! في قناعتي، ان هناك أطرافا حاقدة على العملية السياسية، وتحاول النيل من مسيرتها الظافرة، ولذلك روجت لشائعة الرشوة المبالغ بها، وإشاعتها عن الناس المساكين، وراحت هذه الأطراف الحاقدة، تضرب أمثلة عجيبة غريبة، فقد زعمت أن الرشوة في العهد الملكي كانت محصورة بين افراد الشرطة فقط، وهي لا تتعدى الدرهم أو الدرهمين، ولهذا أطلقوا على الشرطي يومها كنية (أبو الواشرات)، لان الدرهم يشبه الواشر، أما في الوقت الحاضر، فقد وصلت الرشوة الى المدراء العامين وأعضاء البرلمان والوزراء .. الخ، وهذا كلام غير سليم، لان رواتب هذه العناوين بحد ذاتها، أضخم من أية رشوة، وبناء على ذلك ، أدعو هيأة النزاهة الى ملاحقة ظاهرة (المبالغة) مثلما تلاحق ظاهرة (الفساد المالي) لدى آلاف الوزراء والمدراء العامين وأعضاء البرلمان وكبار المسؤولين !!
|