تهيأ لي في عام 1974 ان اتعامل مع الاذاعة بصفة كاتب ومعد برامج، وقد تم تنسيني اليها من وزارة التربية لمدة سنتين ومع انني كنت حديث عهد بالعمل الاذاعي، واجهل الكثير من مفاصلة وتفاصيله ، ولكنني احببته فهو اوسع انتشارا من العمل الصحفي، واكثر صلة بالناس واقرب، كما انه مدعاة للشهرة السريعة لمن يبحث عن الشهرة، ومن المفارقات الظريفة ان مدير الاذاعة يوماه لاغراض المزاح كان لا يناديني بأسمي او يكنيني، وانما يدعوني (الشايب) وكنت لاغراض المزاح كذلك، ابدي امتعاضي!!. ما حصل اقل من عام على التحاقي، ان صدام حسين قام بزيارة للاذاعة واجتمع مع المدير، وحين انتهى من الاجتماع التقى بمنتسبي قسمنا من مذيعين ومذيعات ومنفذين ومخرجين ومحررين... الخ، وكان عددنا قرابة 14 منتسبا او يزيد، القى الرجل نظرة سريعة الينا، ثم اشار باصابعه نحوي وقال (نسولف ويا هذا الشايب الخير) وما كاد ينطق مفردة (الشايب) حتى ندت عن المدير ضحكة كتمها بكف يده، ولكن صدام انتبه اليها وهو شبه غاضب، وسارع المدير واوضح له الاشكالية بطريقة الرطفة او النكته (سيادة النائب.. زميلنا حسن العاني من اخاطبه.. شايب.. الان جنابك قررت.. وقرارك يعتبر تعليمات واجبة الالتزام والتنفيذ!) الا ان (النكتة) على ما يبدوا لم ترق للنائب، لانه لم يتحرر من وجهه اليابس!!. ظلت هذه الحادثة عالقة في ذاكرتي الى منتصف العقد التسعيني، اي اكثر من عشرين سنة، حيث كتبتها في مجلة «الف باء» كواقعة تاريخية كما هي، وتحت عنوان (صدم حسين يقرر: حسن العاني شايب) وما ان ظهرت المادة حتى زارني شخص (محسوب) على الصحافة، وانتحى بي جانبا واستطاع ان يرعبني بضعة شهور وهو يمطرني بوابل من الاسئلة بعد ان اخبرني انه من رجال الامن، من بين تلك الاسئلة (لماذا لم تكتب بعد اسم صدام ـ حفظه الله ورعاه) او (كيف ذكرت في مقالتك اسم مدير الاذاعة قبل الرئيس القائد) او (ألم تلاحظ ان اسم الرئيس واسمك قد كتبا بالخط نفسه وبالحجم نفسه) الخ ولم أفلت من تلك اللغاوي الا بطلعان الروح)!!.بعد بضعة ايام حضرت احتفالية في فندق الرشيد اقامتها سفارة الامارات العربية المتحدة، وهناك التقيت وزير الاعلام الذي شكرني وقال لي (اريدك تكتب اكثر عن صدام حتى يكرمك... انت كاتب كبير وتستحق.. حرام كل شي متحصل!!) واخبرته بما تعرضت له من رجل الامن من تحقيق مزعج، قال لي (لا تهتم.. هؤلاء حواوين واغبياء) ولم اكتب بعد تلك المقالة حرفا واحدا عن صدام، ولم اكن قد كتبت قبلها اية مقالة و..و لم يستوقفني شيء في هذه الاحداث، الامر الوحيد الذي اثار دهشتي، ان رجل الامن المحسوب على الصحافة، سوق نفسه بعد 2003 على انه معارض عنيد ضد صدام والنظام السابق و... ونجحت عملية التسويق!!.
|