غيلان
كتبت إبنتي وهي آخر العنقود تعاتبني حين عدت إلى بغداد وأقول تعاتبني للتخفيف من حقيقة هي أنها كانت تلومني وسبب اللوم هنا ليس عودتي إلى وطني العراق وترك وطنها الأسترالي الجميل، بل تلومني على الحقائق التي كنت أنقلها للسامعين طلبة في صف أو جمهور في محاضرة أو مستمعين إلى الراديو أو جمع أصدقاء في حفل عائلي حيث كنت أفخر بعراقيتي وأعدد أسبابي بأن وطني العراق وطن الكتابة الأولى، وأول بلد سُنّت فيه القوانين، وارتفعت فيه السدود فكانت شبكات الري المتناغم، وكان سكان بلادي يصنعون الملاحم يشدهم إلى ذلك غرام الأسئلة وهكذا كانت ملحمة كلكلمش وصرخته «لقد مات صاحبي» وصاحبه يحزن عليه أهل الفرح، فانتقلت الأسئلة بمراكب الفينيق وتجارتهم التنوعة إلى الأغريق فكانت الألياذة وكان هرقليس من على صورة كلكامش. ما الذي يجعل ابنتي تلومني إذن؟ فرحت أتامل ما كتبت فرأيت في تكورات الدلالة المتمردة على استقامة الحروف فتقول..إذا كانت كل هذه الحقائق التاريخية عراقية فكيف ذهبت أدراج الرياح لتحل محل بلد الكتابة الأولى البلد الأول في الفساد وأصبح بديلاً لانتظام الري استيراد العراق لكل المزروعات بما فيها التمر الذي اشتهرت به بلادكم وأصبحتم تستوردون كل شيء والفضيحة في انكم تستوردون البسكويت والماء، ولا علاقة لمواطنكم بـ»كلكامش» ولا يعرف شيئاً عن الإغريق أو حتى السومريين والبابليين والآشوريين الذين تتضمنهم مناهجنا الدراسية هنا في استراليا، كانت توحدكم أسئلة الحضارة واليوم تفرقكم سنن المذاهب والطوائف، تلتفتون كثيراً إلى الوراء وهذا يعرقل شروعكم بالتقدم إلى الأمام. وأستمر بقراءة ما كتبته ابنتي حيث تتناول هنا علامة من علامات الفساد.. يوم أمس أصر البرفسور على تعريفنا بمستوى الفساد في العلاقات الدولية فأخذ الصفقة الروسية العراقية للأسلحة مثالاً على ذلك، لقد كانت الدهشة كبيرة على وجوه الطلبة رغم أنهم في السنة الرابعة من الدراسة في قسم العلاقات الدولية، وسبب الدهشة هو أن رئيس الوزراء العراقي ووفده طرف الصفقة الفاسدة لم يطرأ على وضعيتهم الوظيفية شيء ولم يعترفوا بشيء بل ألسنتهم استمرت تدافع عن تفاصيل وهمية كعقود الكهرباء عندكم. والدي العزيز كنت تكتب وتخبر الأستراليين ..في وطني لا بيت يخلو من ضحية فماذا ستكتب لهم هذه المرة لا بيت يخلو من حرامي !!!
|