يلاحظ العراقي حالما يعيش في مجتمعات الكفاية والتقدم والتحضر اول ما يلاحظه هو اعتياد الناس على وضع الأشياء في مواضعها ويحسبون لكل شيء حسابه ..ومنها هذا الاستخدام الدقيق والمحسوب للطاقة ..فلا مصباح مضاء بلا حاجة ,ولا جهاز كهربائي اوغيره يعمل بلا ضرورة ...وان استخدامهم لسياراتهم وبالتالي لوقودها مقنن ومحسوب ... الشخصية لا تتجزأ ..فهذا الشاب المتسيب الذي لا يعبأ بحاجاته واشياءه ونفاياته ولا يدري أين يرمي بها ...هو ذاته الذي يقول ويقترف الحماقات والتجاوزات دون ان يقدر تأثيراتها وعواقبها ..وقد راهن احد التربويين على ذلك النزق الذي يلقي الكلام على عواهنه ويتصرف بما سيء ويجرح المقابل دون قصد انه في بيته وفي حياته الشخصية والعائلية كتلة من فوضى وحماقات ... في موسم هجرة العراقي الى المنافي وبلدان أوربا وأمريكا لفت انتباهه ان المواطن هناك يحرص على الطاقة وكل مفردات الحياة فهو معتدل ومعقول في استخدام عواطفه وفي التعامل مع غيره بلا مبالغات في الإقبال والإدبار ...في المحبة والكراهية ...وخصوصا بالتعبير عنها ...فهم يعيشون حالاتهم بحدودها ولا ينفقونها ولا يبددونها او يضاعفونها بالمبالغات...وقد وصمت الثقافة العربية بالثقافة الشعرية وباشتعال العواطف وتوقدها ولكنها السريعة الانطفاء احيانا ووثوبها الى ضدها :الكراهية ...حتى وجدنا من يصمها بطفح الحياة ,وكذلك بالسطحية أحيانا ...وبجذرها الخاوي ...خصوصا من العقل والمنطق ... ابسط المراقبين يعرف تماما ان العراقيين هم الاكثر انفعالا وعاطفية والاكثر شعرية وبما يعني فرط حيويتهم واتساع وطول عمر شبابهم كأمة..القاسم المشترك لكل الحروب الاهلية هو العامل العاطفي ...وسيكون عنوان الدراسات القادمة التي تعقب مأساة العراقيين هو الانفعال العاطفي والتأسيس عليه وتوظيفه بخبث عبقري ... ويبلغ التشاؤم مداه عند التأمل في الجانب الثقافي ومداه وعمقه ..فيكون اليأس من رؤية حجم معين لقراءة أفكار في التحليل والنظرات الجادة ..فليس غريبا ان تعصف الانفعالات بكائنات عاطفية مغلقة وبمشاعر بدائية بلا عمق ولا عقل ..وانه يأس من إطلالة على الجدل ومحاولة الشك الخلاق ...وان التقاء عقول معوقة مع عواطف وانفعالات فائضة ومتطرفة مع احدث وسائل التدمير يقيم اكبر الغابات الضارية لكي يعود لمحقها ومسحها من عالم التواصل ...فطبع الإنسان لا يتجزأ...فالمسرف بالطاقة مسرف في العاطفة ,مسرف في الحب ,مسرف في الكراهية ...وفي تدمير نفسه .
|