من كان بلا أخلاق بالأمس القريب لن تتغير أخلاقه في ليلة وضحاها، ولن تتحسن في الأيام القادمة، وهل من المعقول أن تنزع تركيا جلبابها القديم، وتستبدل عمامتها المكورة، وهي التي خبئت في مخادع سلاطينها كل الجرائم والانتهاكات الإنسانية، التي ارتكبتها علنا باسم الخلافة على امتداد سنوات فترتها المظلمة. فتركيا التي تحتضن الدواعش، وتمدهم بالمال والسلاح، وتدعمهم بغطائها الجوي والمخابراتي، وتسمح باستقبالهم على أرضها، وتسهل لهم طرق التنقل والمواصلات في ذهابهم وإيابهم، وتؤيدهم بمطاردة القبائل المسيحية والأيزيدية، لا تختلف كثيراً عن أصولها العثمانية المتهمة بتنفيذ عمليات الإبادة البشرية، التي انطلقت شرارتها الأولى عام 1895، وهو العام الذي قتلت فيه مئات الآلاف من الأرمن والأشوريين والسريان والكلدان في مدن جنوب تركيا، وذلك بعد اتهامهم بمحاولة اغتيال السلطان عبد الحميد الثاني. في حين كان السبب الحقيقي لتلك المجزرة هو التصفيات العرقية، وخوف العثمانيين من انضمام المسيحيين إلى الروس، وخوفهم من التحاق الثوار بصفوف المقاومة. في يوم 24 ابريل عام 1915 اعتقلت السلطات التركية أعيان الأرمن في اسطنبول وأعدمتهم من دون ذنب. ثم اعتقلت المسيحيين في جميع أنحاء تركيا وأعدمتهم رمياً بالرصاص. أما النساء والأطفال فقد اجبروا على مغادرة منازلهم في غضون 24 ساعة، وإلا تعرضوا لعقوبة الإعدام، وكان عددهم يزيد على مليوني نسمة. وهكذا خرجت العائلات المسيحية من منازلها وهامت على وجهها في الجبال والوديان، ثم قتلوا جميع الرجال الأصحاء واغتصاب النساء، وبعد ذلك تم صلب بعض النساء عاريات على صلبان خشبية، وتركوا العائلات الهاربة من البطش والتنكيل في مواجهة الجوع والعطش في الطرق الوعرة الممتدة لمئات الكيلومترات في مناطق نائية. ما أدى إلى موت مليون ونصف المليون مسيحي. أما الناجين من المذبحة فقد فروا إلى دول قريبة مثل سوريا – مصر – لبنان – العراق. ثم قام الأتراك بالاستيلاء على جميع ممتلكاتهم ومنازلهم.لم تعترف الحكومة التركية بمجازرها حتى الآن على الرغم من التأكيدات التي أطلقتها أكثر من عشرين دولة أوربية اعترفت رسميا بمذابح المسيحيين بأنها إبادة جماعية. فهل تعترف تركيا الآن بعلاقاتها الحميمة مع الدواعش، الذين ساروا على نهجها وتمسكوا بسياستها العدوانية المعلنة ضد الطوائف والأقليات البشرية المسالمة ؟. لقد وقعت تلك المآسي عام 1915 ، وكانت تشير إلى عمليات القتل الهمجي المتعمد، التي تمثلت بسلسلة من المجازر وعمليات الترحيل القسري. وها نحن اليوم نقترب من إطلالة عام 2015 لنقف على بشاعة المجازر التي ارتكبتها الخلايا الإرهابية المدعومة من تركيا الأردوغانية بزعامة الفئات، التي ظلت تحمل رواسب الفكر الإجرامي التوسعي منذ القرن الماضي وحتى يومنا هذا. وما أشبه الليلة بالبارحة.
|