سياسيونا, وكما يبدو, يحبون اكل الثريد, ولكن بدم بعضهم البعض... وكأنهم يلهثون لتسجيل الرقم القياسي في القسوة مع الارقام المعروفة الاخرى... وقد يخرقون كل الحدود والاعتبارات الاصولية والقانونية والانسانية, وتمحى من ذاكرتهم مواقف حميمة واصيلة وشجاعة.. وفي لحظة يضع على وجهه قناع التنك. بل وقد لا يضعه ويتجلى عن نذالة خالصة.
يقول انه تفاجأ بالقرار القاسي بحقه, وتساءل مذهولا ان كان قد شاركه سنوات الشقاء وصقيع الغربة حقا.. ام انها في المخيلة ومجرد اوهام؟؟
والقسوة ليس فقط بين الفرقاء المختلفين، بل بين الفريق الواحد والطرف الواحد .... وبما يوحي بقناعات وحقائق بالغة الخطورة ويصعب توصيفها وتسميتها .. وان ما يطفو على السطح ان هناك واقعا غير مرئي ومفاهيم غير منطوقة وعلاقات غير سوية وتواطؤات تثير الذعر وغير مسبوقة في دهاليز السياسة ... حيث يدخر السياسي ما يشهره بوجه الآخر اذا اختلف معه... أي ان هناك تغاض وسكوتا عن جرائم ومفاسد وان شملت ارواح العراقيين واموالهم وثرواتهم العامة.. تواطؤ وتغاض وسكوت وان ازهقت ارواح وظلم بشر..
القسوة عرض لحالة... فرجل السياسة والدولة يتمتع بالجدارة بقدر سعة قلبه وتفكيره.. بقدر حريته ونزاهة اجراءاته... بقدر وقوفه ضد نفسه وهواه وطبعه المنحاز, بقدر التزامه وتقديره للثابت والدائم والمبدئي, على العابر والزائف وان حقق رغباته وميوله ومصالحه الشخصية.. بل يعنيه رأي وحكم التاريخ, ورضى السماء على كل ما يأتي به المعوج والباطل....
شكوى احدهم مثل سابقه من انه ضحية غدر شريكه في الكفاح, لا لشيء إلا لأنه كان امينا لعمله ولما ادعاه ورفعه من شعارات في خدمة الفقراء ولتجسيد ما امضى كل عمره في التمني ان تتاح الفرصة ليرى البشر النعيم الذي يقوم في الارض بدولة العدل والانصاف وتصالح الذئب والحمل والتقاء الناس, على الاقل في مشتركهم الانساني... ولكنه كف عن مواصلة الشكوى عندما استشرت وتفشت التهديدات كل طرف للآخر بكشف المستور وفضح الجرائم والمفاسد ... واستمرت وتواصلت وتصاعدت مسلسلات التهديد والفضح وباتت وكأنها ممارسه اعتيادية وروتينية وبلا اي حرج .. ولا يبدو ان السياسي لينتبه الى انه انما يدين نفسه ويجرمها, ويتبرع بالاعتراف انه مدلس ومداهن ومتواطئ وخائن لشعبه ووطنه لأنه لزم الصمت على القتل والسرقة والفساد... وكأن السياسي قد عاد لطبعه المبتذل والرخيص والسوقي..بل.. و.. الداعر... فهو مشهد تلك الممتهنات تقديم المتعة وهن يتلاسن ويتفاضحن وتكشف الواحدة للاخرى مقدار وساختها.. وانهن لا يجدن حرجا في بذاءة الفاظهن وحقارة ممارساتهن.. فتلك حياتهن.. وان السياسيين انما يكشفون عن جواهرهم وطباعهم إذ يتبارون في التهديد والفضح والكشف.. وان كان الامر يتعلق بمصير شعب كامل...هذه المشاهد غير مسبوقة في السياسة وبين مبتدئيها ومدعيها ولكنها باتت طبيعية في العراق.. ولذا فما يبدو قسوة وكسر عظم هو في اذهان بعض من التقطوا وحملوا من (اماكنهم) الى السياسة والسلطة هو في غاية الطبيعية.. وقد يعني لهم الاثارة والبراعة والحنكة وليس الاعتراف بالجرم والعار... |