يعرف الأمريكان ماذا يفعلون ولأية غاية يرمون عندما حطوا رحالهم في مضايف شيوخ العشائر, ونظموا قوائم أجهزة المخابرات وغيرها من بين رجالهم.. وبعثوا بالروح العشائرية مجهزة بكل مقومات وضروب القوة .. وها هم عقول العلم وأبطال التحصيل ونماذج الإرادة, الأطباء يخضعون لابتزاز العشائر مرغمين صاغرين لدفع التعويض عن المريض الذي وصلهم وقد فارق الحياة ويزعمون أن مريضهم مات جراء إهمال الطبيب ولذلك عليه أن يدفع (الدية.. أو الفصل.. أو الإتاوة) هذا ونحن في الألفية الثالثة ومع الصخب بدولة القانون, ودولة المواطنة .. ودولة المجتمع المدني.
وكما أحالت القلوب الفاسدة الطائفة إلى طائفية وتعصب وقبح فقد حولت العشيرة الى عشائرية .. فالإنسان في النهاية باسم ونسب إلى أبوين وعائلة وأسرة وعشيرة وقبيلة وقومية، ولكن هذا لا يعني مخاصمة وكراهية العناوين المقابلة .. لهذا وكما شوهوا الحديث الشريف (اختلاف أمتي رحمة) أقاموا الحرب وأشعلوا الحرائق بين المختلفين.. فقد شوهوا من الدعوة لوحدة الشعوب والقبائل من اجل التعارف لتكون من اجل النفرة والكراهية... يجهلون أن الإنسان اجتماعي بالفطرة ويريد له هوية وانتماء ومجتمعا ,لا لاستخدامه سلاحا بقبضة عدوانيته (الغريزية أيضا) بل لإثراء شخصيته وتأسيس ذاته بقدر ما ينتمي للمجتمعات, وبقدر وعيه وابتعاده عن بدائية النظرة والتفكير والتطلع ... فقد أدرك الإنسان ان وزنه وحجمه وعمقه بقدر تجربته وأواصره الاجتماعية ومحبته للناس وللحياة .. والأهم بقدر ثقته بنفسه.. فيقاتل للفوز بانتماء ضئيل وضيق يرضي شعوره بالضآلة والإهمال ويبالغ في تملقه والتعصب له .. أو يفتح كل نوافذه وأبوابه للبشر عبر عنوانه ونسبه وذاته...
أن أحب أبناء عشيرتي فليست لرابطة الدم وللحنين الطبيعي فقط بل للثقافة التي تجمعني وإياهم.. من عادات وتقاليد وأفكار وأمزجة وكل ما يجعلني مسترخيا ومتآلفا ومنسجما وممتلئا بذاتي أمام الناس .. أمام المجتمعات والعشائر ومتفاعلا ومتواشجا معها ... ورأينا العشائر والعوائل تتبارى بالكرم والنخوة والإنصاف والتسامح والعدالة .. وأزالت بعضها لعنة التعصب وضيق الأفق ووصمة التخلف ... إلى أن جاء المحتل ليعيدها , لا لما وصلت اليه من وعي وتطور.. بل الى ما كانت عليه من خواص شجبها الإسلام بشدة معززا القناعة بالقصد الخبيث لتمزيق الإسلام والعرب بدءا بالعراق .. مستغلا حاجة بعض السياسيين لجهة يتسمون بها وينتمون لها ولا يبقون وحيدين تحت عنوان حزب وهمي ... فتعاونت العشائرية مع الطائفية لإنجاب هذا الفساد وللوصول إلى أن يقع الطبيب تحت (عدالة) المتخلفين...
|