وهذا الفأر الذي ينطنط في لبدة الأسد, ليس غير المسؤول الأصغر من منصبه, وهو اصغر من منصبه عندما لا يستطيع النهوض بمسؤولياته ويعجز عن أداء واجباته وإعطائه كامل حقه, وما هو منتظر منه ...وهذا الفأر علامة فارقة للمرحلة, بدلالة عشرات الآلاف من الشهادات الدراسية المزورة.. وكذا آلاف قضايا الفساد والمفسدين ...والدلالة الأهم معاناة المواطن في شتى المناحي والمجالات, مع تدني أو انعدام الإنتاج في مختلف الميادين.. وتراكم الخراب يوما بعد يوم.. حتى ليتساءل المرء عن حجم الأموال الخرافية المطلوبة لإعادة الإعمار... ولو أن كل المسؤولين قد أدوا استحقاقات مواقعهم ومناصبهم ولم يكونوا دمى أو أطفالاً يبتسمون لأنفسهم في أراجيح السلطة ودواليبها الهوائية لأنجزت الخطط العملاقة التي تقفز بالعراق إلى مصافات الدول المتقدمة في الإنتاج والتصنيع والثقافة والتنمية الاجتماعية والازدهار الحضاري ...ولما كان للمتخلفين والهمج هذا التأثير والحضور وما انتهى بالبلد إلى هذا الوضع الأمني والمعيشي والحياتي.لا شك أن بقاء الرجل في منصب اكبر منه ولا يستطيع إيفاءه حقه, ولأي سبب كان إنما يعبر عن دناءة وعن ضآلة نفس وصغار شخصية وعن استعدادات مشينة ومعيبة... وتلك حالة لا تعرفها الشعوب المتحضرة, وإن لم تملأ الآفاق ضجيجا بالكرامة والآباء والكبرياء وعزة النفس.... فالمسؤول هناك سرعان ما ينسحب معتذرا حالما يتلكأ عمله أو يحاط باللغط.. فكرامته لا تسمح له بالبقاء في منصبه.من الممكن أن يكون المرء أصغر من منصبه لأنه غير مهيأً لمثل هذا العمل.. فهو مهيأ لحمل عشر كيلوغرامات لا مئة كيلوغرام.. وانه مستعد لعبور جدول لا عبور دجلة, وانه مناسب لهذه المهمة لا تلك، إلا أن الغالب أن المرء منحاز إلى نفسه ويجد انه جدير بكل مسؤولية لولا الظروف... لاسيما الجاهل وان حمل أعلى الشهادات الأكاديمية.
الملفت أن الفأر قد يفكر, بمعجزة, ويرى انه ضعيف وضئيل ويغرق بأبريق الوضوء.. ولكن لا يخطر له انه يخون ...يخون الناس عبر منصبه الأكبر منه.نحن بعيدون عن ثقافة فهم واستبطان الذات ومعرفة حدودها وإمكاناتها... وبعيدون عن ثقافة الاعتذار والاستقالة.. وليس على المرء أن يخشى أن يأخذ الكثيرون على أنفسهم ويرون أنهم فئران في لبدات الأسود ويندفعون محتجين أو خجلين في مشهد مثير, ولهذا يبقى المتخلف متخلفا، ويستحق المساءلة لقبوله أن يكون فأرا وان يشارك بما لا يؤمن به. |