في وقت مبكر من صباح العيد وصلت من ذاك المفكر رسالة (وليست تهنئة ) إلى عدد من المثقفين, وهذا نصها (أرى على الشاشة طفلة شيعية حافية, يسألها المذيع, ماذا تريدين هدية للعيد ,قالت: لعبة ...
أنها, لطول علاقتها بالحفى, لم تعد تشعر بحاجة لحذاء ...
بعض المثقفين ,لطول عهدهم بعصور العبودية ,لم يعودوا بحاجة للحرية ....)
والحاجة للحرية حاجة لمعرفة الذات والعالم .. وما لم تفلح الثقافة لهذه المعرفة وتنجب الإنسان الإنساني والقادر على إضافة معنى جميل للحياة فإنها مجرد نصوص وأشكال في كتب ولوحات ...وقد يغدو المرء بثقافة كبيرة وغير ممتزجة بقوام وكيان وعمل حاملها مجرد خزانة موحشة ..وهذا حال بعض مثقفينا, بعد أن كشفتهم الظروف العصيبة في البلد ..وبدت ثقافتهم قشور وديكورات وادعاءات وأكاذيب ..وطلع من الشيوعي جرذ طائفي ..وكائن لا يمكن أن يستوعب سطرا من كتابات ماركس ولينين .. و قد ذكرنا من قبل أيضا هذا الذي ظننا انه سارتر بالذات وليس المأخوذ فقط بوجوديته ,وقد باع العالم من اجل نفع قد يزهد به الشحاذ ...وتوارى ذاك الشاعر والقطب الثقافي عن محيطه ليلبد في موقعه الوظيفي المتميز والحفاظ عليه من ( الحاسدين والمشاغبين وأصحاب الطلبات والتكليفات ...)
بكلمة واحدة ...فان الثقافة والمثقفين يتحملون مسؤولية جسيمة لما يحدث ...وقد يؤشر بطلان ما كان يقال عن تميز العراقيين بعمق واتساع وكثرة مثقفيه الذين قد يساوون عدد نفوسه ونخيله وعناصر ثرواته ...فالذي ظهر أن حجم التخلف مريع ...وانه بدل أن تتحول الثقافة إلى تصرف وسلوك ,وجدنا العادة هي الدين والقانون ووجه الطبع الثاوي في الأعماق ..ولا يسود ولا يقرر ولا يتصرف سواه ...وعاد (اللبرالي ,والمتحضر ..والمتفرنج ) عاد عشائري ,ومناطقي ,والأتعس ,طائفي ....وقد لا يتردد عن المجاهرة والهتاف وإطلاق اللعنات على الحرية والديمقراطية ما دامتا تعرقلان وتزعجان خيارات طبعه وعادته وما جبل وشب عليه ...ولا يخرج بعض المثقفين عن هذا النير ...ليتكشفوا عن انهم مجرد خزانات كتب لا كتب حية ...وكان لطول عهدهم بعصور العبودية اعتيادهم عليها وانخراط هذه العبودية في كيانهم ووجودهم ...
قيل لمدير فضائية ينوي بث برنامج تلفزيوني يعزو فيه سبب الأزمات الى هزال ثقافة مسؤولين في الدولة ..أو لكثرة المتخلفين فيها ..وكان المقترح أن يضيف إلى البرنامج محور هزال تأثير النخبة المثقفة على المجتمع ..وزيف وخواء أسماء فيها ..وهيمنة أفكارها الرثة على حقيقتها وجوهرها ...
يطلب الحرية عاشق الخير والجمال والإبداع ,والمتطلع للعب الذئب مع الحمل ...وهذا ما لا يوافق العبيد ,والمجبولون على تنفس زهومة السراديب وأقبية الماضي ,والممتلئون بالكراهية يبتكرون ويبدعون لها مسارب وعناوين ..ويتساوى هؤلاء ,إن كانوا بهائم أم مثقفين لا يجيدون طرح الأسئلة ....
الأخطر من المثقف الدجال هو المفكر المعجون بالعبودية والذي لا يخطر له انه بحاجة للحرية ...والمشغول ,كما الطفلة البائسة ,بكسب المطبلين ....لا بكسب الحقيقة ....
|