لا نيران عظيمة كالتي تستعر في العراق, وكانت أول فرن ذري بحجم بلد.. تلقمه اخطر أنواع وصنوف الطاقة التدميرية , منها الكراهية ..فأيقن العراقي انه لا يفوق أسلحة الدمار الشامل فتكا كالكراهية... وبصيغتها الحرة الطليقة والعاملة تحت العنوان المقدس ...هذا فضلا عن تحول البلد ليس فقط مكبا لنفايات العالم من البضائع والسلع, بل ولكل قتلته ولصوصه وشاذيه.. مع الأهم ...نفايات وأمراض وأحقاد التاريخ ..فالدين ذاته صار مكبا لمختلف النصوص والإحكام والاجتهادات الباطلة ,ووجدت التزويرات والافتراءات القديمة فرصتها وانبعثت في تربة الحقد والطمع والكراهية ..وهناك من ارتد قرونا ويعيش وقته في ممارسة كراهيته المبشرة بالجنة ...
من دلائل هذا الموقد الذري إن أبطاله لا يشعرون بحرائقه ..وبعواقبه ...فقط يعيشون نزواتهم وغرائزهم وينغمرون فيها ..ولا يتوقفون عند حقيقة تصدر العراق دول التزوير والفساد ..ولا يعبأون بملايين الأيتام والأرامل والفقراء ,ولا العجز عن إعادة التيار الكهربائي ,وان صرف عليه ما يكفي لإنارة ربع العالم , وبات التفجير والقتل حدثا يوميا مألوفا.
في هذا الموقد الذري برهن العراقي عن نوع معدنه.. فتميز النفيس والثمين والأصيل عن الرديء والرخيص والتافه... وتعرفنا على من كانوا أقوى من الموج ومن السنة النيران بين الساسة والمثقفين والناس البسطاء ,وبين رجال الدين ولم تخدعهم الأسماء والاضوية والتصريحات.. وكما انبثق من الطبيب الكائن الجشع, تجلى من طبيب آخر الكائن الزاهد ,السعيد بالعطاء والتضحية ..وكذا هذا الغول الذي ربما فاجأ حتى صاحبه واعترف لنفسه انه اضعف من ان يقاوم إغراءات المال والسلطة ..وان لا تعود العشائرية فقط في عصر الإنسان الأرضي بل وسيادة قرارات الأوباش والحثالة وعناصر الشر وتجعل من نزواتها قانونا وتقاضي الأشراف...نقول رغم كل هذا..رغم ان ما يجري كفيل بإبادة اكبر الشعوب والمجتمعات ..إبادتها على نحو بشع وعفن إلا أن العراقيين ما زالوا يعيشون ويتفاءلون ويلمحون تباشير واضوية من جهة المستقبل ...وان الكراهية طاقة أيضا ,وان كانت شريرة ,وللطاقة حدود ..ولا بد ان تنفذ وتنتهي ...إنما على مراكز البحث وعلماء النفس والاجتماع والإنسان ان يغتنموا الفرصة في العراق ويعاينوا على الواقع بالذي يحل بالإنسان ,وبالألفية الثالثة, عندما يعود منطق العشيرة للسيادة ,ويتعداه الى قطاع الطرق ..وعندما يتبوأ مزورو الوثائق الدراسية الوظائف والمناصب..وعندما تتبخر المليارات من الدولارات علنا..فهي تجربة لا تتكرر وقد توصل مراكز البحث إلى حقائق وأبعاد للإنسان غير معروفة ..ويقدم العراق بوصفه مهد الحضارة, ومن الدول الثرية درسا للبشرية على مفعول الكراهية على حياة ومصير الإنسان. |