لا أصعب ولا أشقى ولا أتعس من حياة العراقي, وهذا ما لاحظته وأشرته المنظمات الدولية.. إلا أن الأكثر من هذا هو أن العراقي مشدوها, مسطولا, أشبه بالمخدر, كأنه لم يستوعب ما يجري.. وقته مبدد وضائع في الطرق والزحامات, وبدت أعصابه وقد الفت التفجيرات وحوادث القتل.. وما عاد التقي الورع لينتبه إلى ترفه وتخمته بين الجياع والمعدمين.. ولا التفت الآمن في قلاعه الى ما يفعله المسعورون, الشغوفون بعذاب واهانة الناس وإذلالهم.. وإذا كان حديث العالم عن تسجيل الطبقة السياسية العراقية كأثرى طبقة.. فان وجوها وأسماء وعناوين لم تتفجر وتهز الأرض غضبا لجموع الشحاذين والجياع ومن لا يجدون علاجا لإمراضهم ...على العكس ..بلعوا الطعم وانخرطوا في المشغل المطلوب.. الطوائف والاثنيات وصنوف التشطير والذبح الروحي والجسدي.
ماذا سيقول الواحد منا لربه ولنفسه وللتاريخ؟؟ هل يكفي التذرع بأنه كان مسطولا ومخدرا؟ ولكن كيف كان إذن اسما ووجها وقطبا وسيدا ووجيها وراضيا عن تقواه؟؟ هل جاءت أمريكا بما يعمي البصائر والعيون قبل أن تدخل بدباباتها والراكضون وراءها؟؟
تلك عقول ومواهب وعبقريات هي كذلك بكل المقاييس والاعتبارات, ما الذي أحالها إلى حجر؟ ما الذي مسخها.. ما الذي خدرها إزاء اكبر الثروات المسروقة.. ومن قبل اقل الكائنات شأنا واعتبارا؟؟
يقولون إن احدهم يستلقي على قفاه في حدائق لندن من الضحك على من يظن أن ما أخذه وتحول إلى أرصدة وعقارات يمكن استرداده.. ومع ذلك لم يستلق عندنا سياسي إعياء وإغماء على ما يجري.. وبدت الأسماء والوجوه والرؤوس بأفكار وفلسفات واديان وعقائد وقيم وأخلاق بلا عمق ولا جذر.. بل وبدت الكراهية هي جوهر بعض المخلوقات ..تلهو بالكراهية ,تتمتع بها ..تتذوق طعم حياتها اذ تكره.
كأن هناك من يسعى للبرهنة أن العراق بلا عقول ولا مواهب ولا أبطال ولا اتقياء ولا وطنيين... بلا مفكرين وكتاب وأدباء وفنانين... بلا غيورين وعشاق وفدائيين... كأنه غاب تحت سرفات دبابات الاحتلال كل وعي وانتباه وضمير لدى الكثير من هذه العناوين.
مع ذلك.. مع كل ذلك.. فأن الصامت الأكبر قد يكون الناطق الأكبر.. وان الألم العظيم رحم للعظماء.. ويبشر بولادات عظيمة وشموس كثيرة. وان العراق بات يستوعب الحوار ويدخل العصر بلغته.. وأبهرتنا مرجعيات النجف وأرتنا ملامح عراق يستقطب كل محبي الخير والحياة.. فالخدر قد يتلاشى.. ويبقى المستقبل بيد من لا يتوجس من نقاش أي شيء.. ما دام من الحياة. |