نحن الشعب الوحيد في العالم الذي أمضى ثماني سنوات من عمره غارقا قي بحر المصطلحات التي جاوزت الثلاثمائة أو يزيد. ليس ابتداء بالفراغ الدستوري وليس انتهاء بالمقابر الجماعية, وكان من الطبيعي ان تنسحب هذه المفردات الجديدة على حياة الناس, فهي تشاطرهم أكلهم وشربهم ويقظتهم وأحلامهم, ولا استثني نفسي من هذه الحالة العامة, فكلنا نهذي واغلبنا يهرب بما لا يعرف !! وهكذا رأيت قبل أسبوعين فيما يرى النائم وكأن البلد منشغل بولادة حكومة جديدة وإنني على رأس كتلة برلمانية حصلت على 754 مقعدا من أصل 774 مقعدا برلمانيا وبذلك تمثل كتلتي الأغلبية الساحقة ووجدت نفسي مطالبا ان اعمل بمبدأ التوافق وأحاول إرضاء الأطراف المشاركة في العملية السياسية جميعها مع أنهم لا يمثلون سوى 20 مقعدا، وبحكم خبرتي الطويلة وتجربتي الغنية كما جاء في حيثيات الحلم، وما لمسته من حيف وقع على هذا المكون او ذلك فقد حرصت على ان اعمل بروح ايجابي ودافع وطني في توزيع المناصب والحقائب الوزارية, بحيث اجعل الأطراف كلها تدعو لي بالرزق والعافية وطول العمر, وأجنب البلاد في الوقت نفسه من تلك “اللغاوي” التي ترافق اي تشكيل حكومي واقطع دابر الكلام عن التهميش ولهذا بدأت التقي (شخصيا) رؤساء الكتل واسمع آراءهم ووجهات نظرهم بالتفصيل لكي لا يتهمني احد او يتهم كتلتي بالتفرد والاستئثار بالواقع المتميزة وهذا ما فعلته حتى في توزيع السفارات حيث اعتمدت مبدأ (المحاصصة العادلة ) بديلا عن (المحاصصة الطائفية) سيئة الصيت وقد عبر ممثلو الكيانات عن ارتياحهم واثنوا على المحاصصة العادلة عظيم الثناء وهكذا أعلنت في حضورهم ان هناك نوعين من السفارات هي (السيادية) و(الخدمية) وكلاهما بالأهمية ذاتها وربما كانت السفارات الخدمية أكثر أهمية لأنها تتحرك تحت خيمة أخلاقية وذات بعد إنساني وقد حظي هذا التقسيم بموافقتهم وسرورهم حتى ان بعضهم هتف باسمي هتافات وطنية فيما اغرورقت عيون بعضهم الآخر بالدموع غرقا ثم قلت لهم (سيتولى مرشحو قائمتنا السفارات السياسية في أميركا واليابان وروسيا والصين والمملكة المتحدة وعموم بلدان العالم أما مرشحوكم فسيكونون سفراء للنوايا الحسنة والبيئة والطفولة والأغاني والسلام وعموم السفارات الخدمية ذات البعد الأخلاقي والإنساني وآمل ان يكون هذا التوزيع منصفا وعادلا وان يكون هاجسنا الأول هو خدمة الوطن لا المناصب، و الآن دعونا ننصرف إلى العمل على بركة الله!!)
في الحقيقة انتهى الاجتماع وأنا مرتاح الضمير إذ لا يمكن تحقيق صيغة أفضل من التي توصلت إليها وبما يضمن للكيان الذي أمثله(برغم ما قدمه من تنازلات) مثلما يضمن للكيانات الأخرى أعلى درجات المحاصصة العادلة، ومع ذلك غادر ممثلو الكتل والكيانات وهم في قمة الغضب من دون ان اعرف سببا واحدا لشعورهم بالظلم والتهميش كما يدعون علما أنهم حصلوا على أرقى السفارات الأهمية والأخلاقية والإنسانية؟!
ملاحظة :بهدف إرضائهم وتحقيق المصالحة الوطنية والشراكة الحقيقية فقد تنازلت لهم عن سفاراتنا وأخذت سفاراتهم و”هذا ما لا يمكن ان يحصل بالطبع إلا في الأحلام”!! |