في ثمانين سنة من عمر الدولة العراقية , أي ابتداء من تأسيسها لغاية 2003 تعلمنا أقل من (116) مفردة سياسية , و في مدة لا تزيد على عشر سنوات , أي منذ عام 2003 حتى عامنا المبارك هذا , تعلمنا اكثر من (611) مفردة سياسية , بحيث لا نكاد نهضم الواحدة بطلعان الروح , و إذا بنا امام عشرة غيرها , و الأدهى من ذلك إنها شاعت على لسان الحكومة و المعارضة و وسائل الاعلام الوطنية منها و العميلة , و بات الجاهل و بائع الفرارات و الحفّافة و البروليتاري الرث و ابن السبيل , يرطن بها نكاية بشعوب المنطقة المحرومة من حرية التعبير عن الرأي , و التداول السلمي للسلطة!
ليس من باب الحصر , و إنما من باب الأشارة , أذكر بعضا ً من هذه المفردات , على غرار : الكوتا , الشفافية , 1+3 , المجندات , الفوضى الخلاقة , ثورة البنفسج , المثلث السني , الشيعة العرب , المقابر الجماعية , الأجتثاث , الفدرالية , الاضراب المدني , الحكومة المحلية , المنطقة الخضراء , المقاومة بفرعيها الشريفة و غير الشريفة , المحاصصة , المناطق المتنازع عليها , رجال الصحوة , مجالس الأسناد , صلاحيات المركز , المادة 4 , المادة 140 , اجندة إقليمية , و غير ذلك من المفردات و المصطلحات حمل بعير!
أقسم برأس الرجاء الصالح إن معظم هذه الكلمات و التعابير الغريبة على ذاكرتي و قاموسي اللغوي , ظلت عصية الأستيعاب على فهمي , أو إنني فهمتها بصورة مشوشة , و أحيانا ً سطحية , و لكن أكثر ما أربكني هو مصطلح (الوزارات السيادية) , فأنا إجهل حقا ً أصل هذه التسمية و فصلها و إشتقاقها , و لذلك أثارت في رأسي الكثير من الأسئلة , على غرار : هل الوزارات العراقية مقسمة الى نوعين ؟ و هل هذا التقسيم قائم على أساس طبقي أو وظيفي ؟ أم على أساس الجنس الذكوري و الأنوثي ؟ على فصيلة الدم أم على أساس اللون و البشرة و تسريحة الشعر ؟ على وفق الأنتماء العشائري أم على وفق الدرجة الحزبية ؟ و إذا كانت بعض الوزارات سيادية , فما هو الأسم المناسب للوزارات الأخرى , هل نسميها من غير سيادة أم ناقصة الأهلية ؟!
بحكم خبرتي الحياتية , أعرف جيدا ً إن المواطنين ينظرون بعين الأهتمام و الأحترام و المحبة الى الوزارات التي توفر لهم لقمة العيش و العمل و الكهرباء و الماء , و تعبّدُ لهم الطرق و ترفع الأنقاض و تمد المجاري و تبني المؤسسات التربوية و الصحية و المساكن و المتنزهات و أماكن الترفيه , و بحكم خبرتي الصحافية أعرف إن وزارة الثقافة في أي بلد من بلدان العالم جميعها , هي الوزارة الأهم , لأنها المسؤول الأول عن بناء القاعدة الفكرية و الثقافية للأمة , فهذه القاعدة هي التي تؤسس لمعاني الأبداع و النهوض و المواطنة الحقيقية و إحترام القيم و السلوك الحضاري , و مع ذلك فأن هذه الوزارة في العراق منقوصة السيادة , و لا أحد يريدها أو (يقلّبها) أو يسأل عنها!
و ما زلت حتى هذه اللحظة – برغم خبرتي الحياتية و الصحافية – أجهل لماذا تتسابق أطراف العملية السياسية سباقا ً محموما ً على (الحقائب) السيادية , و تتعالى على (حقائب) الخبز و الحقول و المسارح و الجسور , هل لأنها حقائب الناس , و كل حقيبة تهم الناس معبأة بالعقارب , و منقوصة الأهلية , و تعاني من فقر الدم , أم لكون الحقائب السيادية تهم السلطة , لأنها طافحة بالدولارات و النفط و القوة , و تعاني من تخمة الشبع , و بذلك فأن كل وزارة تابعة للسلطة , متعافية و سيادية و .. كاملة الأوصاف !! إفتوني مأجورين ! |