المستقبل العراقي / نهاد فالح
اكتشفت «المستقبل العراقي» خلال جولة لها في مجمع الإحسان السكني بمنطقة النهروان، والذي نفذت محافظة بغداد بناءه بكلفة زادت على الـ50 مليار دينار، أن المجمع بحاجة الى أن يبنى مرة أخرى ليكون مؤهلاً لإطلاق تسمية «مجمع سكني» عليه. فالـ»وحدات السكنية» في المجمع تفتقر الى أبسط مقومات السكن، كالأبواب والشبابيك والتأسيسات الكهربائية والصحية وغير ذلك. ومن يلقي نظرة خاطفة على المجمع، سيتبادر إلى ذهنه أنه ما زال قيد الإنشاء، ويحتاج الى وقت طويل حتى يكتمل، لكن الحقيقة تشي بأن المحافظة وزعت سندات المجمع بالفعل على مواطنين من المهجرين والمعاقين والفقراء قبل أكثر من 8 أشهر. وقال أحد الساكنين في المجمع لـ»المستقبل العراقي» أنه كان يتوقع أن يجد مسكناً متكاملاً عندما حصل على سند إحدى الوحدات السكنية في المجمع، «لكنني فوجئت بأن المجمع عبارة عن خربة». وأكد أنه سكن مضطراً في المنزل الصغير الذي حصل عليه بعد معاناة طويلة مع أزمة السكن في البلاد. وكانت محافظة بغداد قد أعلنت في 15 أيلول 2012 عن قرب توزيع سندات مجمع الإحسان السكني للمهجرين والفقراء والمعاقين. وقال بيان صادر عن محافظة بغداد في حينها ان محافظ بغداد صلاح عبد الرزاق افتتح بمرافقة نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات صالح المطلك مدرسة مجمع الإحسان السكني بكلفة مليار و850 مليون دينار, مؤكدا ان المجمع سيغطي نحو 6 آلاف مواطن حين افتتاحه بعد توزيعه بين الفئات المشمولة وحسب ضوابط المحافظة. وقال عبد الرزاق «نفتتح اليوم مدرسة جديدة من أصل مدرستين بمجمع الإحسان السكني، الاولى ابتدائية والأخرى ثانوية بنحو 18 صفا لكل مدرسة, اذ تم تنفيذ المدرسة بمدة انجاز استمرت 240 يوما بكلفة مليار و850 مليون دينار حسب المواصفات المطلوبة». وأضاف المحافظ ان «مجمع الإحسان السكني يعود الى العام 2007 بعد المباشرة به واكتماله لكن الحاجة بقيت للبنية التحتية الخاصة بالمجمع ناهيك عن البنية الخدمية, حيث ارتأينا قبل توزيع البيوت واطئة الكلفة في المجمع ان نقوم بانجاز البنى التحتية له»، مؤكدا انه «تم بناء مدرستين ومجمع ماء بسعة 400 متر مكعب في الساعة, وكذلك سوق ومسجد وقاعة احتفالات وقاعة مناسبات إضافة الى اكساء جميع الشوارع والأرصفة وإيصال المياه للمنازل مع تزويده بالكهرباء ومولدات في حالات الطوارئ، اذ تم تنفيذ سور لحماية القرية معززة باستعلامات لتوفير جو امن لسكنة القرية وافتتاحها في القريب العاجل لتصبح المنازل صالحة للعيش, وهو ضمن المشاريع السكنية التي تنجزها المحافظة في مناطق العاصمة كافة».
وأفاد ان «توزيع منازل واطئة الكلفة لمجمع الإحسان السكني سيكون بعد إكمال سندات المنازل خلال الفترة القريبة وتشمل الفئات المهجرين من قرية المرتضى وأيضا الفئات المشمولة من الفقراء والمحتاجين بعد الإعلان عنه رسميا وتقديم المواطنين إليه وحسب الضوابط، خاصة الاسر الهشة والمعوقين وبأولوية تامة لحماية هذه الأسر وصونها ومعالجة ملف المهجرين بهذه المناطق», معربا عن أمله «في استمرار العمل بمثل هذه المشاريع واكتمال بناء المدرسة الأخرى تدريجيا لتكون القرية عصرية من جميع النواحي يقطنها نحو 6 آلاف شخص».
وهذه القرية العصرية التي تحدث عنها المحافظ، والتي أكد أنها مزودة بالماء والكهرباء والخدمات الأخرى، تبدو كمدينة تعرضت لنيران حروب أو كارثة طبيعية أدت الى هجرة سكانها منها، فمن النادر رؤية منزل في المجمع له باب خارجي، إذ أن أغلب المنازل مخلوعة الأبواب أو لا أبواب فيها إطلاقاً، فيما بقيت شبابيك منازل كثيرة من دون زجاج (جام). ويمكن أيضاً ملاحظة أن جدران المنازل المبنية بمادة الـ»بلوك» غير مكسوة بأي طلاء أو مادة أخرى من المواد التي تستخدم في إكساء واجهات المنازل، فالجدران الخارجية للوحدات السكنية مكسوة بمادة الاسمنت فقط، الأمر الذي يمنح المجمع منظراً يشبه الى حد كبير منظر المناطق السكنية العشوائية، التي يطلق عليها العراقيون تسمية «بيوت الحواسم». أما من الداخل، فإن أرضيات المنازل عبارة عن اسمنت مصبوب غير مغلفة بالكاشي او السيراميك أو اي مادة أخرى لتغليف أرضيات المنازل، بينما الجدران الداخلية مطلية بطلاء أساسي فقط من دون طلاء خارجي، وتظهر عليها شقوق كثيرة وآثار مياه أمطار تسللت اليها متسببة ببقع رطوبة تغطي مساحات كبيرة من تلك الجدران. أما المغاسل فقد تركت من غير صنابير ماء (حنفيات)، وتغطيها طبقات ترابية سميكة، فيما تظهر رؤوس أنابيب معدنية من الجدران غير مكتملة التأسيس، ولا تتدفق منها قطرة ماء. وكذلك تظهر من الجدران رؤوس أسلاك كهربائية غير مربوطة بقواعد مصابيح أو مفاتيح كهرباء، ما يؤشر أن التأسيسات الكهربائية في المجمع غير مكتملة أيضاً. وفي المساحات الترابية للمنازل، التي من المفترض أن تكون حدائق، تنتشر كميات كبيرة من نبات العاقول، معلنة عن حالة مأساوية للمجمع.
وقال مواطن آخر ممن سكنوا إحدى منازل المجمع، وهو يشرف على مجموعة عمال ينفذون بناء جدار لسطح منزله (ستارة)، «جئت الى هنا وفي مخيلتي أنني سأسكن في منطقة تشبه مناطق الدول المتقدمة التي نراها في التلفاز، لكنني أصبت بخيبة أمل بعدما شاهدت الواقع المزري لهذا المجمع الهزيل». وأضاف «رأيت أن أتكفل ببناء ستارة للسطح لأن الستارة المبنية وجدتها آيلة للسقوط. خشيت أن تسقط على أحد أفراد عائلتي أو عليّ»، متابعاً «سأضطر في الأيام المقبلة لإعادة بناء هذا المنزل شيئاً فشيئاً لأنه لا يصلح للسكن بوضعه الحالي، لكنني أخشى من عدم قدرتي على ذلك، فوضعي المالي ضعيف جداً».
|