المستقبل العراقي/متابعة
يمر الموظف سند عبد الرحمن (42 عاما) كغيره من الموظفين بظروف صعبة نتيجة متطلبات الحياة الكثيرة وغلاء المعيشة وطلبات الأبناء، الأمر الذي يجبره على الاستدانة باستمرار، مما يجعله يشعر بالإحباط والكآبة طوال الوقت. يعترف عبد الرحمن أنه يسعى دائما لتوفير حياة كريمة لأبنائه، إلا أنه فقد السيطرة في الآونة الأخيرة على ضبط أعصابه في كيفية الحوار والتعامل معهم، فمجرد عودته للمنزل تنشب المشاحنات والخلافات لأتفه الأسباب، حسب قوله. يقول “أشعر بضغط نفسي كبير، وزوجتي تشاركني هذه الأزمات”، منوها إلى أن “أبنائي الأربعة أصبحوا يتحاشون الجلوس معي بسبب عصبيتي”، متابعا أنه يتذرع دوما في التهرب من الجلوس معهم بانشغالاته ويحاول الخلود للنوم باكرا. يلجأ كثيرون للاستدانة من الزملاء في العمل أو الأقارب والأصدقاء، ليس بالضرورة لمجاراة المظاهر، بل تضطر بعض الظروف الناس إلى الاستدانة، واللجوء لهذا الحل باستمرار قد يؤدي في نهاية المطاف للشعور بأمراض مختلفة من أرق وقلق واكتئاب أحيانا، فضلا عن تزعزع العلاقات الاجتماعية في حال امتنع أو لم يستطع المدين سداد الدين، لتغدو الاستدانة بمثابة هم وأرق يلازم صاحبه ليل نهار. وفي هذا الشأن، يبين الاختصاصي النفسي د. خليل العبيدي الآثار السلبية للديون على الصحة النفسية للإنسان؛ حيث تؤدي إلى شعوره بعدم الأمان والاستقرار، وشعوره وكأنه يغرق، الأمر الذي يؤدي إلى الكثير من المشاكل الصحية على المدى البعيد، وينعكس على أسرته والمحيطين به أيضا. ويلفت العبيدي إلى أن هناك العديد من المشاكل الأسرية التي تنشب بسبب تراكم الديون وعدم القدرة على سدادها، ويصل الأمر لخلافات كبيرة ومستمرة لا تجعل الأمور على ما يرام بين الشريكين، وأحيانا تصل لإنهاء العلاقة بشريك الحياة، أو تؤثر بشكل سلبي على الحالة النفسية للأبناء ونظرتهم للمستقبل. ويوضح :” أن كبار السن أكثر عرضة لأعراض الاكتئاب بسبب تراكم الديون مستحقة الدفع، وأنها تسبب شعورا بعدم السيطرة على حياتهم وعلى أوضاعهم المالية تحديدا، وبالتالي تنعكس على علاقتهم بالآخرين المقربين منهم. ويبين السيد أبو سالم” موظف”، أنه فقد السعادة بزواجه، بسبب تراكم الديون وتعدد المسؤوليات، موضحا أن زواجه أجبره على الاقتراض، ما جعله يتحاشى الخروج من المنزل مع زوجته، كي لا يصادف أحدا يطالبه فيحرجه أمامها”. ويشير إلى أن ذلك انعكس على علاقته معها؛ حيث إنه كلما طالبها أحد أو حان موعد السداد، فإنه يربط ذلك بالزواج وتكاليفه، لينعكس الأمر على علاقتهما بفقدان الحوار بينهما. وكذلك حال السيدة أم ثائر،”50 “ سنة”ربة بيت” ،التي توضح أن راتب تقاعد زوجها لا يكفي لمتطلبات الحياة البسيطة، مما أجبرها على الاستدانة، فلديها ثلاثة أولاد وابنتان بأعمار متفاوتة. تقول أم ثائر “أرهقتني مطالب أبنائي، ولا أستطيع أن ألومهم، فهم مايزالون يرغبون بالحياة ويريدون الحياة الكريمة بالمقارنة مع أصدقائهم والمحيطين بهم”. وتوضح أن كل تلك الأمور دعتها للاستدانة من الأهل والجيران والأصدقاء، ما جعلها تفقد علاقاتها بالعديد منهم، نظرا لأنها لم تستطع تسديد المال الذي أخذته منهم. وتشاركها الرأي االسيدة سلوى عامر، في :”أن ظروف الحياة جعلتها تلعق الصبر مع أبنائها الأربعة، وذلك في غياب والديها وطلاقها من زوجها المتنكر لأبنائه، قائلة “اضطررت للاستدانة من اخوتي لأحصل على منزل يؤويني وأبنائي، فراتبي يذهب في تسديد القروض والديون ومتطلبات الحياة اليومية من أكل وشرب وترفيه”.وتضيف، أنها فقدت صديقاتها، بل وأصبحن لا يجبن على اتصالاتها بهن، لعلمهن بأنها ستقترض منهن مبلغا من المال، موضحة أن حياتها أصبحت شاقة، خاصة أن أبناءها بدأوا يكبرون وتكبر معهم متطلباتهم ورغباتهم، وللأسف لا يخلو يوم من الخلافات بينهم بسبب تلبية هذه المتطلبات”. من جهته، يبين استشاري الاجتماع الأسري مفيد سرحان أن لكل شخص ولكل أسرة إمكانياتها الاقتصادية وظروفها المعيشية الخاصة، وبالنظر إلى صعوبة الحياة الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها كثيرون على مستوى الأفراد والأسر، فإنه لا بد من الاهتمام بوضع الميزانية لكل أسرة، مما يساعد على تجنب أو “التقليل” من اللجوء إلى الاستدانة التي تتسبب في كثير من المشكلات للأفراد والأسر. وينوه إلى أن الميزانية مفترض أن تتم بناء على موارد الأسرة ومصروفاتها الضرورية، والأمر الآخر لا بد أن تراعي الأسرة والأشخاص الاقتصاد بالنفقات والمصروفات وعدم اللجوء إلى المصروفات الزائدة والكماليات والاهتمام بالضروريات بشكل أساسي، وعدم اللجوء إلى الاستدانة إلا في حالات الضرورة القصوى، وأن تتم دراسة الطريقة التي سيتم من خلالها تسديد الديون قبل اللجوء إلى الاستدانة، وفي كثير من الأحيان تتم الاستدانة من أجل الإنفاق على أمور غير ضرورية كالاقتراض لتحديث الهاتف النقال أو السيارة أو فرش المنزل. ويضيف “هناك بعض الوسائل التي قد تسهم في تقليل أعباء “الاستدانة” مثل، اقتطاع مبلغ يوضع للحالات الطارئة والتي تستخدم عند الضرورة القصوى، أيضا إيجاد صناديق للتكافل الاجتماعي داخل الأسر والعائلات الكبيرة؛ حيث تتم الاستفادة منها عند الضرورة، وهناك صناديق للتكافل داخل المؤسسات الكبيرة داخل الشركات شريطة أن يلتزم الشخص بتسديد المبالغ المأخوذة في أقرب وقت ممكن”. ويجب التركيز على التكافل وتقديم المساعدات سواء من المؤسسات أو الأشخاص للأسر المحتاجة، وفق سرحان، تنمية الصناديق والتوسع في توزيع أموال الزكاة وحث الأغنياء والميسورين على تقديم جزء من أموالهم لمساعدة الفقراء والمحتاجين، وأيضا التقليل من الديون التي تتم لأغراض المناسبات الاجتماعية كالزواج والوفاة.
|