المستقبل العراقي/متابعة يعد التربويون وأولياء الأمور الفئتين الأكثر قلقا من انفتاح الأطفال على الفضاء الالكتروني، وتحديدا شبكات التواصل الاجتماعي، ورغم أن هذا القلق جاء مصاحبا لثورة التكنولوجيا، واستخدام شبكة الانترنت بشكل عام، إلا أن الخيارات التي تتيحها شبكات التواصل الاجتماعي هي الأكثر إزعاجا وإثارة للقلق. ومن الأسباب التي تجعل هذا الانفتاح مقلقا أيضا أن لدى المراهقين بطبيعتهم الرغبة في الاستكشاف، وتجريب الأشياء الجديدة والغريبة، والتباهي أمام أقرانهم بقدرتهم على خوض المغامرات وكسر القيود الاجتماعية، ما يجعلهم عرضة أكثر من غيرهم للاستغلال أو اقتحام خصوصيتهم من قبل آخرين. ويمكن أن تتسبب الشبكات الاجتماعية للأطفال والمراهقين بالعديد من المشكلات كالاكتئاب والقلق والعدوانية، وذلك بسبب استخدام بعض الأقران والمنافسين لهذه المساحات للنيل من المراهقين، أو الاستهزاء بهم بالألفاظ، أو نشر صورهم في المدرسة أو اللعب بهيئات مثيرة للسخرية، الأمر الذي سهّله انتشار الهواتف المزودة بالكاميرات، والمنتشرة بكثرة بين الأطفال والمراهقين. كما أن العلاقات العاطفية العابرة والسريعة والتي تأتي نتيجة الرغبة الطبيعية باستكشاف الجنس الآخر وإقامة العلاقات، قد تؤدي إلى مرور المراهقين بتجارب نفسية صعبة عند انتهائها، وغالبا ما يحدث ذلك بين راشدين يملكون حسابات وهمية، ويقومون باستغلال المراهقات والمراهقين، بإيهامهم بالاهتمام والحب، والحصول على صورهم، لمجرد التسلية والترفيه، أو الحصول على مكاسب نتيجة ابتزازهم بهذه الصور أو المراسلات. طريقة الأهل في التعامل مع الأطفال على شبكات التواصل الاجتماعي يعتقد بعض الآباء والأمهات أن التجسس والتتبع والحصول على كلمات السرّ الخاصة بالمراهقين، يمكنه ضبط السلوك الالكتروني للأطفال أو ضبط طرق وظروف تواصلهم الالكتروني مع الآخرين، وهذا كما يصفه المتخصصون مجرد تضييع لأوقات الآباء، ومدعاة لتدهور العلاقة مع الأطفال والمراهقين. ويُغفل أو يتغافل هؤلاء الآباء نتيجة عدم معرفتهم بأدوات التواصل الإيجابي، حقيقة أن الأطفال أذكياء وقادرون في كثير من الأحيان على استخدام وسائل التكنولوجيا أكثر من ذويهم؛ فالمراهقون يمكنهم إنشاء حسابات متعددة على الفيسبوك، بحيث يحتفظون بوجود والديهم كأصدقاء على أحد هذه الحسابات وأكثرها التزاما بالضوابط الاجتماعية، في حين تُخصص الحسابات الأخرى، والتي غالبا ما تحمل أسماء مستعارة للتعبير عن ذواتهم بطرق أكثر انفتاحا وربما تجاوزا اجتماعيا وأخلاقيا. وتشير الدراسات إلى أن الأطفال والمراهقين الذين يملكون أكثر من حساب على فيسبوك، ينشؤون في أُسر يسودها الرفض وعدم التقبل، وكثرة الانتقاد، وفرض قوانين غير صحية على التواصل، ويقل فيها الاستماع للأطفال، أو الاهتمام بهم نفسيا وعاطفيا، ولا يشعرون بالأمان النفسي داخل الأسرة، ما يمنعهم من إظهار حقيقة علاقاتهم وتفاعلهم أمام ذويهم، والاكتفاء بحساب واحد. كما أن خيارات الخصوصية التي يوفرها فيسبوك وغيره من شبكات التواصل والتي تسمح بإخفاء قوائم الأصدقاء، ومشاركة الصور والتحديثات مع أشخاص أو قوائم محددة، تجعل أيضا من وجود الآباء على حساب أبنائهم كأصدقاء وأولياء أمور، أمرا غير فعال في حال لم تُبنى العلاقة معهم على الصراحة والانفتاح والتقبل. لا يمكن عزل الأطفال والمراهقين عما يجري في العالم من حولهم، نظرا لضرورة استخدام الحواسيب ووسائل التكنولوجيا في حياتهم، ويكاد أمر عزلهم عن الفضاء الالكتروني يكون مستحيلا، نظرا لتعدد الأدوات والأساليب التي يمكن من خلالها الوصول إليه. ومن غير الصحي التفكير بالمنع أو التهديد كآلية للتعامل مع هذا الأمر، فهذا لا يزيد الأطفال إلا عنادا وتمردا، ويعمّق فجوة التواصل القائمة معهم، عدا عن أن ما صَلُح لزماننا من أساليب التربية والضبط والتواصل لا يصلح بالضرورة لزمانهم. يمكن للآباء والأمهات الحصول على كل ما يريدون معرفته عن أطفالهم بدون إجبار، وذلك بالاستماع والاهتمام والتواصل الجيد مع الأطفال. والحديث عن استخدام الالكترونيات والتعامل معها، وحتى عن العلاقات مع الآخرين، وضبط السلوك الاجتماعي، وحماية الأطفال من الاضطرابات النفسية يأتي تاليا؛ فالثقة والانفتاح والإشباع النفسي والعاطفي هي أهم سبل الوقاية، وهي تساعد الطفل وفي وقت مبكر على التحدث لوالديه عن أي شيء مثير للقلق يتعرض له أثناء استخدامه الشبكات الاجتماعية، ومن يناصرون حملات حجب المواقع الالكترونية ويمنعون أطفالهم من استخدامها هم ممن يؤمنون غالبا بالحل الأسهل وهو المنع، وليس منح الوقت الكافي للاهتمام بالأطفال والاستماع إليهم. ويغفل هؤلاء عن أنه بالتزامن مع زيادة خدمات الحجب والمطالبة بها، تزداد البرامج التي تستخدم لكسر هذا الحظر، وتنخفض تكلفتها حتى تصبح مجانية أحيانا، وهي معروفة لدى المراهقين ويتم تبادلها بسهولة. ويمكن للآباء والأمهات اتباع العديد من الإجراءات لضبط علاقة أطفالهم بالشبكات الاجتماعية، ومن ذلك: -الإشباع العاطفي والتعبير عن الاهتمام والحب منذ سن مبكرة جدا، فالاهتمام والحب هما صمّام الأمان في حياة الأطفال، ويستمر تأثيره في جميع مراحل حياتهم، فهو يحمي الأطفال والمراهقين من البحث عن جذب الانتباه، فرغم أن محاولات جذب الانتباه والبحث عن الاشباع العاطفي، جزء من خصائص النمو في مرحلة المراهقة إلا أنه يصبح أسوأ كلما زاد الفراغ العاطفي لدى الطفل. -حدد الوقت الذي يقضيه أطفالك على شبكة الانترنت، بتوزيعه بين الأعمال التعليمية المطلوبة منهم، والترفيه، ولا تتركهم بقية الوقت فريسة للفراغ، فيضطرون للعودة للتواصل الالكتروني، وتستمر مشاكلك معهم. -لا توفر للأطفال أجهزة الكترونية خاصة، واسمح لهم باستخدام هواتف الوالدين وأجهزتهم لأوقات محددة، مع مراعاة أن هذا الإجراء إذا لم يكن مبنيا على الثقة فيمكن للأطفال استخدام أجهزة الأصدقاء في المدرسة أو خارجها، لذلك تبقى الثقة والتواصل الحلقة الأهم. - قم بحماية أطفالك على الفيسبوك وشبكات التواصل الاجتماعي من خلال: - تعليم الأطفال كيفية معرفة الحسابات الوهمية، وهي التي لا تتضمن أسماء وصورا حقيقية، ولا يوجد فيها قوائم أصدقاء، كما أن صفحات هذه الحسابات غالبا ما تكون خالية من أي أنشطة أو تحديثات، وأكدّ عليهم بعدم قبول صداقة من لا يعرفونهم. - علّم الأطفال ضرورة جعل الوضع الافتراضي لحسابهم على الفيسبوك، الأصدقاء فقط، بمعنى لا يتم مشاركة الصور والتحديثات إلا مع قائمة الأصدقاء. - تحدّث إلى أطفالك عن مخاطر التواصل مع البالغين الغرباء، وضرورة إبلاغك بأي إزعاج أو طلبات صداقة مثيرة للقلق يتلقونها. - علّم الأطفال حدود ومعنى الخصوصية، وحدود نشر المعلومات الشخصية، ومشاركتها مع الآخرين. - قم بمراجعة صفحة طفلك بشكل دوري، وحثه على إزالة المشاركات غير المناسبة - استعن بأقاربك وأصدقائك المقربين إذا كنت لا تُحسن استخدام الفيسبوك لتعليم أطفالك، أو تعليمك كيفية التعامل معه.
|