ستقبل العراقي/متابعة تعيش أكثر من شخصية محاولة جاهدة الإلمام بكل ما يحقق لها ثقافة متنوعة، تبحث عن ملامحها الخاصة في تلك الوجوه التي تضطر أحيانا لأن تختبئ خلفها هربا من المواجهة مع ذاتها تريد أن تثبت لمن حولها أنها على قدر كبير من الثقافة والوعي والاتزان. هذه إحدى الشخصيات التي كان تحاول أن تخدعنا بها لكنها هناك وبعيدا عن أعين أصدقائها ومعارفها لم تكن كذلك أبدا، فهي رغم كل الثقافة التي تملكها والتي تركز كثيرا على مشكلات الأسرة وكيفية التعاطي معها لم تستطع ولو قليلا أن تتجاوز أزماتها الأسرية التي اعتقد كثيرون أنها أبعد ما تكون عن ذلك ربما لأنها تصر على الظهور بمظهر المرأة المثقفة والمطلعة على كل ما يتعلق بشؤون الأسرة والأطفال. قدرتها على حل مشكلات صديقاتها جعلت جميع المحيطين بها يجزمون أيضا بقدرتها على تخطي مشكلاتها لا يدرون أنها عاجزة تماما عن إدارة تلك العائلة الصغيرة والتي هي جزء منها. إتقانها لدور الأم المتفهمة والزوجة المحبة المتزنة خارج البيت قد ينتهي ليتحول إلى دور آخر يعكس جيدا شخصيتها الحقيقية بكل تفاصيلها التي دائما ما تتناقض مع صورتها الخارجية تلجأ إلى ذلك كله خوفا من انتقادات الآخرين لها ولتكون محط إعجابهم الذي قد يزول تماما بمجرد اكتشافهم الوجه الآخر لها. تناقضات كثيرة في الحياة تجبرنا على فعل ما لا نؤمن به فقط لأننا نجهل ما نريد ونفتقد حتى القدرة على معرفته فنجد أنفسنا بدون قصد متورطين بأفكار وآراء لا تشبهنا، أفكار أبعد ما تكون عنا لكننا رغم ذلك نقرر أن نتشبث بها معتقدين أنه من السهل تجسيدها حتى وإن لم نقتنع بها أو على الأقل تتناسب مع نمط تفكيرنا وتنسجم مع مشاعرنا كأشخاص لديهم ملامحهم الخاصة التي تميزهم عن غيرهم. قد يجبرنا تناقضنا على إبداء ما لا نشعر به وإظهار صورة مغايرة كليا عن حقيقتنا التي تخلينا عنها لمجرد أننا نخشى مواجهة عيوبنا، محاولين إخفاءها خلف أقنعة نستبدلها متى نشاء لنرضي أشخاصا جمعتنا بهم ربما المصلحة فاخترنا أن نتبنى قناعاتهم كما هي حتى لا نخسر. لذا نحاول جميعا أن ننتقي لأنفسنا مبادئ جديدة غير تلك التي تلامسنا بعمق فنبدأ بتجميل صورنا الوهمية علنا نحظى بالاحترام الذي نعتقد أننا سنفتقده في حال كنا على طبيعتنا بدون أي أقنعة مبررين ذلك بعدم قدرتنا على اكتشاف ذواتنا، وبالتالي الإحساس بقيمة كل ما نملكه من صفات معطين لأنفسنا الفرصة للإبقاء على الإيجابي منها وتطويره، حتى لا نضطر لتقمص أدوار بعيدة كليا عن جوهرنا الذي قد نسيء له بأنانيتنا اتخاذنا لقرار التوقف ولو للحظات في منتصف الطريق يجعلنا نتساءل لماذا نحن متناقضون؟ وما الذي نريده من ذلك التناقض؟ نعاود مرة أخرى تكرار الأسئلة علنا نجد إجابة منطقية تلغي معها رغبتنا في أن نصبح أشخاصا متكاملين مجردين من تلك العيوب التي نخشى الاعتراف بها ظنا منا أنها ستنتقص من قيمتنا لدى الآخرين وستنتزع منا القدرة على تخطيها غير مكترثين بمقدار الأذى الناتج عن تناقضنا والذي حتما سيسلبنا الصدق والاستقرار كوننا نرفض قطعا أن نتعامل مع سلبياتنا بوضوح بعيدا عن المجاملات الكاذبة التي تضعنا في مواقف قاسية مع ذواتنا، وذلك لأننا في أكثر اللحظات الواقعية نقرر أن لا نكون أنفسنا لدرجة أننا قد نشعر بالغربة أحيانا كنتيجة طبيعية لتلك الحالة التي نعيشها رغما عنا لسبب أو لآخر فنحاول جاهدين تحاشي مشاعرنا وقناعاتنا لنكون أقرب منهم فلربما ننال جزءا بسيطا من أهدافنا التي قد نختار أن نحققها على حساب مصلحة الآخر وسعادته غير آبهين بالألم الذي سنتركه خلفنا جراء تناقضاتنا المستفزة التي تستنزفنا وتحولنا إلى أشخاص عاجزين عن فهم كل ما يشعرون أو يقتنعون به
|