المستقبل العراقي/متابعة ما إن يدخل الطالب عصام محمود مدرسته حتى تبدأ مناكفات زملائه له وغمزهم ولمزهم عليه، وما يرافق ذلك من ضحكاتهم المجلجلة، ما يجعله يشعر بالكآبة والحرج إلى حد كره المدرسة والدراسة. يقول عصام (10 أعوام) “أشعر بالاختناق عندما أسمع اسم مدرستي، ليس لدي أصدقاء”، متابعا “كوني سمينا أسمع يوميا تعليقات كثيرة من قبل الطلبة تسخر مني ويصفوني بصفات تبكيني”، مضيفا “بت أكره المدرسة وأتمنى الخروج منها نهائيا”. ورغم محاولات والد عصام الذهاب للمدرسة أكثر من مرة ليضع الإدارة بصورة ما يتعرض له ابنه، إلا أن ذلك لم يغير شيئا، كما يقول، ففي كل مرة توبخ فيها الإدارة الطلبة يعاودون في اليوم التالي تكرار الموقف نفسه. يتعرض كثير من الطلبة في المدرسة إلى استهزاء وسخرية بعض زملائهم بسبب إما شكلي أو اختلاف في تصرفاتهم عن غيرهم، ما يجعلهم يمقتون الذهاب للمدرسة ويؤثر في نفسيتهم سلبا وفي تراجع تحصيلهم الأكاديمي أيضا. مجرد أن تصحو الطالبة فداء فايق من النوم حتى تبدو عليها نوبات الكآبة والتثاقل من الذهاب الى مدرستها، والسبب بشعورها هذا أن بعض الطالبات لا يقبلن صداقتها كونها “داكنة البشرة”، حتى أن بعض زميلاتها يمزحن معها بقولهن “تبدو بشرتك متسخة”!تقول والدة فداء، وهي طالبة في الابتدائي “دائما تعود من المدرسة تبكي وتصرخ في وجهنا، وتكره مدرستها وتتمنى أن تنتهي حياتها”، متابعة “رغم محاولاتي دعمها نفسيا والتحاور معها عن أنها جميلة وإن كانت بشرتها داكنة وأنها تمتلك صفات جيدة مميزة عن غيرها إلا أن ذلك لا يغير من موقفها من زميلات المدرسة”. وتؤكد الوالدة، أن تحصيلها العلمي “من سيئ إلى أسوأ”، ولذلك هي تفكر جديا في تغيير مدرستها للمرة الثانية، وما تخافه مواجهة ابنتها لهذه المشكلة مجددا، ما يضاعف من الأثر النفسي والإحباط عليها، منوهة إلى أنها في مرحلة بحث دائم لطفلتها عن صديقة في المدرسة تخفف عنها ذلك الحزن وتجعلها أقوى في مواجهة زملائها. وفي هذا السياق، يؤكد الباحث الاجتماعي والأسري د. فتحي طعمه، أن هناك مرحلة تؤثر فيها المشاكل الصفية أكثر من غيرها على التحصيل العلمي، وهي مرحلة الصفوف من الخامس الابتدائي حتى الثامن الإعدادي، لافتا إلى أن كثيرا من المدرسين يشكون من طلاب هذه الصفوف، بسبب “الفوضى وكثرة الحركة وقلة الانتباه وعدم الرغبة في أداء الواجبات والنسيان وكثرة المشاجرة مع بعضهم بعضا والغيرة، وغيرها من الخصائص التي يعتبرها المعلمون مشاكل صفية وتؤثر سلبا على التحصيل العلمي للطالب”. ويقول طعمه إن السبب يكون أحيانا “الغيرة أو كره الطلبة لبعضهم بعضا، أو التلاسن الشديد أو الضحك على الآخرين لأجل موقف أو شكل أو لون شخص”. ويقول طعام إن على المدرسين أن يتبعوا النصح أحيانا، والزجر والتوبيخ والعقاب أحيانا أخرى كي لا يتكرر الموقف، لافتا إلى ضرورة تبليغ الإدارة بتصرفات الطلبة الذين يتمادون على غيرهم والعمل على تصحيح هذه السلوكيات.من جهتها، تبين المرشدة في إحدى المدارس رائدة الكيلاني، أن هناك شكاوى من طلبة كثر بسبب ما يتعرضون له من سخرية الطلاب، وأن هناك كثيرا من المعلمين لا يعرفون ما هي الطريقة الصحيحة لضبط الصف، مشيرة الى أهمية أن يكون المعلم قريبا من الطلبة يبدد الخلافات فيما بينهم ويعمل على إصلاح الصف ونشر الحب بينهم ليتخلصوا من أسلوب اللمز أو الضحك أو السخرية بين بعضهم.وتنصح الكيلاني المعلمين بأن عليهم توحيد نوع المعاملة بين الطلاب وإعطاء دور مهم للنشاطات اللامهنجية بينهم وتوزيع الطلاب جميعهم بشكل عشوائي وجعلهم يتعاونون لإلغاء الحواجز بينهم وصهر أي خلافات. وتنوه معلمة مادة العلوم في إحدى المدارس خالدة صباح، إلى أن كثيرا من الطلاب يعتقدون أن السخرية على بعضهم أو افتعال المشاكل والازعاج يجعلهم “كبارا في المدرسة، ولهم هيبتهم وأنهم من يخيفون الأصغر منهم”.ومن هنا، ترى خالدة أن على المعلم “فرض هيبته بالطريقة الصحيحة وجعلهم يقومون سلوكهم ويجب أن يتفهم المعلمون طبيعة المرحلة والحاجات الأساسية للطلاب”. في حين يبين اختصاصي علم النفس د. أنس ، أن المعلمين والمعلمات والقائمين على إدارة أي مدرسة هم سبب رئيسي فيما يتعرض له الطالب داخل أسوار المدرسة ومن أي أثر نفسي اجتماعي. ويقول :” إن السخرية وعدم الاحتواء يجعلان الطالب شخصا متمردا أو انطوائيا أو عدوانيا وجميعها صفات سيئة هم من أخرجوا فيه هذه الصفات السيئة وهم من جعلوه يكره المدرسة ويصبح تحصيله العلمي متدنيا”. ويشير :”أحيانا من يلقب بعض الطلاب بألقاب تجعله سخرية الصف هم المعلمون أنفسهم”، متابعا “من يطلق أبو سمرة، على سبيل المثال، أو من يقول عن طالب كسلان أو غيرها، فهي ألقاب تجعل من الشخص عدائيا وكارها للمدرسة، وتجعل الطلبة الآخرين يتمادون على الطالب نفسه”. ويشدد د.انس:” على ضرورة أن يتعاون الأهالي منذ البداية على زرع الثقة تماما في نفس ابنهم أو ابنتهم منذ الطفولة فمن يمتلك بشرة سمراء، على سبيل المثال، عليهم أن لا يسمحوا لأحد بالسخرية عليه، وإسماعه كلمات الإطراء الحقيقية وتربيته تربية جميلة تجعله يفرض نفسه للمجتمع ويحب العلم فالكثير من الأهالي يكونون سببا أيضا في التأثير على نفسية الطفل ويكونون هم أول من سخر منه وسببوا له العقدة”. من جانبه، يبين اختصاصي علم الاجتماع د.محمد جابر، أن :”هناك أمرا تربى عليه المجتمع ونظرة عامة للموضوع تجعل منها ظاهرة عامة، فعلى سبيل المثال “كثيرون يسخرون ممن يملك جسدا سمينا، أو كان ذا لون بشرة سمراء أو شعر مجعد، أو قصير القامة وحتى الطويل جدا يندرج تحت السخرية”. وهذا سلوك اجتماعي “خاطئ ومعمم على الجميع للأسف”، وفق جابر الذي يقول “على الأفراد تحسين سلوكهم وخلقهم، وجعل فكرة أن الاختلاف مطلوب بين البشرية ولهذا خلقنا الله مختلفين”، مضيفا “نحن بهذه الطريقة نكمل أنفسنا والظواهر الكونية المختلفة وبهذه الطريقة إن تربى عليها الطفل فلن تكون لديه أدنى مشكلة في تقبل الآخر على اختلافه”.
|