مصطفى زين
يذكر من عاش الحرب الباردة في خمسينات القرن الماضي أن الولايات المتحدة التي كانت تملك 75 في المئة من أراضي كوبا أوقفت دعم الديكتاتور باتيستا فانتصرت الثورة. ويذكر هؤلاء، خصوصاً اليساريين والشيوعيين منهم، الخلاف بين كاسترو وتشي غيفارا. خلاف أدى إلى استقالة تشي وإطلاقه ثورة عالمية، قبل أن يتحول بعد اغتياله إلى أيقونة يسارية. ويحوله الغرب إلى سلعة تجارية. الخلاف بين الزعيمين تمحور آنذاك حول هوية الدولة، هل هي شيوعية أو رأسمالية. هل تقيم علاقات مع الإمبريالية الأميركية أو تعلن عليها الحرب. كان كاسترو مع اتقاء شر واشنطن. وعرفاناً بجميلها لأنها أوقفت تسليح باتيستا، فضل أن يوثق علاقاته معها فاختار في حكومته مسؤولين مقربين منها. لكن البيت الأبيض بدأ تنفيذ خططه للاحتفاظ بنفوذه في الجزيرة، وإبقائها منتجعاً سياحياً للأغنياء، ومركزاً لنشاطات المافيا التجارية والإجرامية، فلجأ كاسترو إلى الاتحاد السوفياتي، طالباً الحماية والمساعدة. لم تبخل موسكو عليه. لا بالنفط ولا بالسلاح، ما أثار حفيظة الأميركيين ففرضوا الحصار على هافانا وتشددوا فيه منذ العام 1961 حتى الأمس القريب. هذا بعض من الخلفية التاريخية للمسألة الكوبية. وكان يمكن للحصار أن يستمر خمسين سنة أخرى، فكيف اتخذ أوباما قرار إنهائه، ولماذا؟ لم يكن قرار الرئيس الأميركي إنهاء الصراع مع كوبا خطوة غير محسوبة، فالقضية قديمة عمرها أكثر من خمسين سنة. وحلها لن يثير جماعات الضغط المتنفذة في واشنطن. أما المهاجرون الكوبيون فمن السهل إرضاؤهم من خلال السماح لهم بالعودة إلى بلادهم والاستثمار فيها، فالاتفاق مع هافانا اقتصادي في الدرجة الأولى. ويعوّل الأميركيون على إحداث ثورة من الداخل، أو تغيير النظام من خلال الانفتاح، طالما أن الكوبيين صمدوا طوال فترة الحصار من الخارج وتحمّلوا الفقر، مفضّلين كرامتهم على التبعية والذل. فضلاً عن ذلك، فمعظم دول أميركا اللاتينية تحوّلت إلى اليسار بطرق ديموقراطية. ولم تعد الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، ولا دول موز. هي الآن ذات سيادة لا تستطيع واشنطن فرض سياساتها عليها. أو إجبارها على اتخاذ مواقف ضد مصالحها القومية. حتى أن البرازيل أصبحت طرفاً في الحلف المناهض لها. وتسعى مع روسيا والصين وجنوب إفريقيا والهند (دول البريكس) إلى تكريس واقع دولي جديد قائم على تعددية الأقطاب. أوباما، وقبله بوش، إلى حد ما، تعايش مع دول أميركا اللاتينية التي تحولت إلى اليسار، ويستطيع البيت الأبيض التعايش مع كوبا في ظل راؤول كاسترو وأخيه. فلا خوف من الغزو الشيوعي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، ولا من ثورة عالمية. ولا من قوة الجزيرة عسكرياً أو فكرياً. لذا قرّر أوباما إنهاء الحصار، مؤكداً أن «الخمسين سنة من عزل كوبا أظهرت عدم جدوى هذه السياسة. وقد جاء الوقت لمقاربة مختلفة لمساعدة الشعب الكوبي كي يساعد نفسه». مساعدة الشعب الكوبي ستأخذ أشكالاً مختلفة، من نشر «القيم الأميركية» و»ماكدونالدز» «وكوكا كولا» إلى ربيع ملون يحمله معهم المهاجرون العائدون بحماية «سي آي إي».
|