المستقبل العراقي/متابعة
قرارات كثيرة، سريعة ولحظية أحيانا، تتطلب من كثيرين اتخاذها، ربما تسهم في إحداث تحول كبير في حياتهم. تلك القرارات لا تحتاج تفكيرا كبيرا بقدر الحاجة لمهارات اتخاذ المناسب منها في وقته إلى جانب جرأة الاقدام على ما يطرح عليهم وفي شؤون حياتية مختلفة. غير أن الحيرة والتردد أو الخوف مشاعر تسيطر احيانا على الأشخاص عندما يضطرون لحسم أمورهم في قضية أو جانب ما، لتحول دون اتخاذهم قرارا بشأنه، في حين يعقد آخرون العزم على اتخاذ قراراتهم بما يملكونه من ثقة وجرأة. فالسيد محمد زكريا”كاسب 4،2سنة” يعتبر أن اتخاذه قرار توقيع عقد للعمل في الخارج خلال أسبوع من القرارات المهمة والمفصلية، التي أجرت تغييرا كبيرا في حياته. يقول زكريا “نتعرض للكثير من المواقف التي لاتتطلب منا التفكير”، لافتا إلى أنه وعلى الرغم من صعوبة اتخاذه للقرار بوقت قصير إلا أنه يشعر أن الإنسان في كثير من الأحيان لابد أن يكون جريئا في اتخاذ قراره. ورغم أن زكريا وفق قوله، يصنف نفسه من الأشخاص الذين يرتبكون ويقعون في حيرة عند اضطراره لاتخاذ القرار، إلا أنه أقدم على قبول العمل في خارج المملكة في وقت قياسي محاولا التغلب على التردد الذي يسيطر عليه دوما. اما الطالبة الجامعية مها الحاج فهي الأخرى تجد أن اتخاذ القرار يتطلب جرأة كبيرة، خصوصا عندما تحمل تلك القرارات تبعات كثيرة على الحياة سواء العملية أو الشخصية. في حين تعتمد هناء سليمان عند اتخاذها قرارا على إحساسها، إذ ترى أن الوقت المناسب بالنسبة لها هو الوقت الذي تجد وجدانها يلح عليها لقبول هذا الأمر أو رفضه، وهو ما حدث معها حين قررت أن تسافر إلى الولايات المتحدة الأميركية لدراسة الطب. وتتابع هناء “احترت في البداية في مكان استكمال دراستي للطب”، لافتة إلى أنها وجدت نفسها تسأل ذات يوم عن جامعة تلبي رغباتها من حيث السكن والإقامة ومستوى التعليم وقيمة الشهادة الجامعية العليا. وأضافت بعد أن استقر بها الحال على اسم الجامعة، وجدت كثيرا من معارفها وأساتذتها يشيدون بتلك الجامعة بل ويعتبرونها واحدة من أهم الجامعات في العالم وليس في الولايات المتحدة الأميركية فحسب. وتجد الموظفة خولة عبدالهادي:” أن ليس كل القرارات من الممكن أن يشعر فيها الإنسان بالتردد، فهناك بعض القرارات الاعتيادية التي من الممكن أن يعقد الإنسان عزمه ويقررها فوراً دون حيرة”. في حين تجد زميلتها منى مسلم :”أنها تحتاج إلى كثير من التأمل والتفكير قبل اتخاذ أي قرار، مبينة أنها تخشى من عواقب القرارات التي تتخذها بسرعة أو تضطر إلى اتخاذها خلال فترة زمنية قصيرة الأمر الذي يمنحها الوقت الكافي بدراسة أبعاد هذا القرار على حياتها”. اختيار المدرسة المناسبة لأبناء السيدة ميسون كان أحد القرارات الصعبة التي لم تستطع اتخاذها خلال فترة زمنية قصيرة، بل على العكس تماما حرصت على مشاركة عائلتها في هذا القرار حتى لا تتحمل مسؤولية الخيار الخاطئ وحدها. وفي هذا الشأن يعتبر أستاذ علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي أن الفرصة لا تأتي الاّ مرة واحدة للإنسان وعليه أن يستغلها وأن يستثمرها جيدا وبخاصة وأن هناك فرصا لا تتكرر، لافتا إلى أن الدراسة والزواج والسفر وشراء البيت واختيار الوظيفة أو قبولها كلها أمثلة حقيقية على قدرة الفرد على اتخاذ القرار. ويؤكد أن وعي الإنسان وخبرته تلعبان دورا أحيانا في حُسن الاختيار، مشيرا إلى أنه وفي بعض الأحيان تلعب الظروف وخبرة ومشورة الأصدقاء من أصحاب الشأن دورا مهما في توجيه القرار المناسب في الوقت المناسب. ويدعو الخزاعي إلى ضرورة التفكير بشكل عميق بما نسعى لاتخاذه من قرارات وبخاصة ما يتعلق بمستقبلنا وبحياتنا وما يُسمّى “مصائرنا”. من جهته يعزو اختصاصي علم النفس الدكتور موسى مطر تردد البعض في اتخاذ قراراتهم، إلى وجود أكثر من حاجة يريد أن يحققها الإنسان معاً، مطلقا على ذلك ما يسمى بـ “الصراع النفسي وهو التردد النفسي”. ويرى مطر أن ذلك “أمر طبيعي” قد يمر به أي فرد وذلك حينما لا يستطيع اشباع أو إرضاء أكثر من حاجة في نفس الوقت، مبيناً أن الأفراد يختلفون فيما بينهم في التحكم بالصراع أو التردد، فمنهم من يستطيع أن يُسيطر عليه ويتخذ قراره مباشرة بعد دراسة وتأن ويختار ما يناسبه، ومنهم من لا يستطيع أن يُسيطر على الصراع أو التردد فيستمر معه لفترة أطول ويصبح مسيطراً على الفرد. وينوه إلى أن التردد له درجات متفاوتة يمتد من البسيط وهو الطبيعي الذي يحدث لدى بعض الأفراد في فترة بسيطة، وينتهي بمجرد اتخاذ القرار، ومنه ما يستمر مع الفرد لفترة زمنية طويلة، ويصبح ملازماً للشخص في كل حياته. ويتسم الشخص الذي لا يتمكن من أخذ قراراته في القلق والتوتر والتردد في معظم الأعمال حتى التافهة منها، فيصبح غير قادر في الاعتماد على نفسه وعلى اتخاذ قراراته. ويشدد مطر على ضرورة أن يثق الشخص بنفسه وبإمكانياته وقدراته واختيار ما يناسبه بدون تردد، إلى جانب التركيز على الحاضر وإغلاق ملف الماضي، خصوصاً إذا كان سلبياً أو سيئاً، إضافة إلى وضع أهداف واضحة ومتناسبة مع الرغبات والميول، وحسن الظن بالآخرين، وتغيير طريقة التفكير تجاه الأمور والأحداث مع من حولك بشكل إيجابي، إلى جانب إجراء “التنفس بشكل عميق والاسترخاء للتخفيف من حالة القلق المصاحبة للتردد”.
|