المستقبل العراقي – ابراهيم جاسم
تنتظر الجدة أم خالد صباحا أحفادها حتى تقضي معهم يومياً رحلة من الترفيه والتربية في ذات الوقت، فهي أصبحت الملاذ الذي يحوي الأبناء خلال العطلة الصيفية التي يتوجه فيها الوالدان للعمل، فيما يقضي أبناؤهما باقي يومهما عند جدتهم. وتقول السيدة أم خالد” 70 “ سنة ،إنها منذ سنوات وهي تستضيف أحفادها الأربعة في العطل الصيفية، كونها لا تحب أن يبقوا وحدهم في المنزل خلال ساعات عمل الوالدين، وهي في ذات الوقت تعتبره نوعا من قضاء وقت ممتع معهم، لكونها تعيش وحدها بعد زواج معظم أبنائها. ويعد احتضان الجدات لاحفادهن خلال العطلة صورة تكافلية جميلة، ما تزال باقية في الكثير من الأماكن، إذ إن الأمهات يشعرن بالحاجة إلى مكان آمن يأوي أبناءهن خلال العطلة الصيفية، فهم خلال الدوام المدرسي يقضون ساعات قليلة دون الوالدين، إلا أن العطلة طويلة وهم بحاجة إلى من يرعاهم. وهذا ما تؤكده أم بدر، وهي أم لثلاثة أطفال أكبرهم في العاشرة من العمر، وتقول إنها تشعر بالراحة والاطمئنان بوجود أبنائها في بيت جدتهم لوالدتهم، فهم يشعرون بالمتعة والتسلية “والدلال”، على حد تعبيرها، كون الجدة عادةً ما تكون أكثر تساهلاً وحناناً مع أحفادها. وتقول أم بدر إن أبناءها ينتظرون العطلة الصيفية بفارغ الصبر حتى يتوجهوا إلى بيت جدتهم صباحاً، ومنهم من يعاود إكمال نومه، ويستيقظ ليجد الجدة قد جهزت لهم الإفطار، في أجواء حميمية لا يمكن أن يجدها الطفل في دور الحضانة. كما أن فريال خلف التي بدأت بإرسال أبنائها إلى بيت جدهم القريب منهم تؤكد أن أبناءها في أعمار متوسطة ولا يمكن للحضانة أن تستقبلهم، لذلك استأذنت جدتهم أن يبقوا معها خلال العطلة، إلى حين عودتها من العمل هي وزوجها. وعلى الرغم من أن الجدة كبيرة في السن، إلا انها تحرص على توفير الراحة لأحفادها، بحسب خلف، وهذا ما يشعرها بالسعادة والراحة خلال ساعات العمل، كما أنها توصي ابناءها بعدم إزعاج جدتهم وإرهاقها، حتى يتمكنوا من قضاء العطلة في بيتها. ويبقى بيت “الجد” ملاذ الأهل في أكثر المواقف، إذ تقول أم كرم إنها في الوضع الطبيعي وعند حاجتها لوضع أحد ابنائها في ضيافة أحد لظرف طارئ، فإنها تتوجه بهم إلى بيت والدتها، لذلك تجد في العطلة الصيفية مكاناً آمناً لهم. وتقول أم كرم إن أحد أطفالها البالغ من العمر سنتين تضعه في الحضانة، إلا أن ابنتها الكبرى وهي في التاسعة من العمر، تقضي باقي نهارها في بيت جدتها، وهو المكان الأنسب لها من ناحية الرعاية والأمان، خاصةً وأنها تعود من العمل في الساعة السادسة مساءً. وينتظر سيف جمال (13 عاما) العطلة من كل عام بفارغ الصبر حتى يقضي الوقت عند بيت جده. يقول “أجمل لحظات حياتي عندما اكون مع جدي وجدتي ألعب وألهو وأتناول أشهى الأطعمة ولا أحد يرفض أي طلب لي”. ويرى الاستشاري الأسري أحمد عبد الله أن في هذه الصورة الإيجابية وهذا النسيج الاجتماعي المتميز، نوعاً من التشارك بين أفراد الأسرة الممتدة، وهو أمر يمكن وصفه بـ “الرائع”، وله العديد من الفوائد الاجتماعية والشخصية، فوجود الطفل ضمن أسرة ممتدة يمنحه فرصة “لتطوير شخصيته الأطفال من جهة ومن جهةٍ أخرى لا يشعر الجد والجدة بالانقطاع عن الجيل الحالي”، وخاصة من أحفادهم.وبالاضافة إلى ذلك، يسهم في زيادة الروابط بين الأجداد والأحفاد وتقوية الصلة والأرحام فيما بينهم، كما يؤدي ذلك إلى وجود الراحة النفسية للأبوين خلال تواجدهم في العمل، كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى إحداث تغيير في بعض الأدوار التي يؤديها الأبناء عندما يكونون برفقة الأجداد، كأن يتم إسناد بعض المهام لهم وقضاء بعض الأعمال للجدين، وهذه الأشياء عادةً لا يقوم بها الأبناء في بيت العائلة. وتعتقد آمال (40 سنة) أن وجود أبنائها عند والدتها قد يشكل اختلافاً في طبيعة التفكير وطريقة التعامل مع بعض الأمور في الحياة، “فاختلاف الزمن الذي عاش فيه آباؤنا غير الزمان الذي جاء فيه أبناؤنا”، على حد تعبيرها. بيد أن عبد الله يخالف هذا الرأي بوصفه “غير منطقي”، إلا أن حدوث “ما هو ممنوع لدى الآباء يصبح مسموحا عند الأجداد”، هو ما قد يحدث، بمعنى أن الآباء يربون أبناءهم على منعهم من بعض الأمور، إلا أن الأجداد لا يمنعون أحفادهم من أي شيء، “رغبةً منهم في منحهم الحنان والعطف وعدم رفض أي طلب لهم”. التربوي محمد محمودالتميمي:” يرى أن الفوائد التي يجنيها الطفل وأهله من بقاء الابن عند جدته وجده “كبيرة”، وتسهم في تطوير التنشئة الاجتماعية والنفسية، وهي فرصة لزيادة الخبرات وتغذية الشخصية والاعتماد على الذات” . وبقاء الطفل مع أجداده، قد يساعده على إيجاد برامج اجتماعية كثيرة يشارك فيها عائلته الكبيرة، بحسب التميمي ، وخاصة في المجتمعات القروية التي تحوي تواجد أكبر للاسرة الممتدة، وهذا يؤثر إيجاباً في التربية الأسرية، إذ إن التربية عبارة عن “خبرات متراكمة”، والصح والخطأ متفق عليه سواء في المدينة أو القرية. وبحسب التميمي ، فإن الطفل بحاجة إلى تجديد خبراته والاطلاع على تفاصيل الحياة ومعالمها في بيت الأهل والأسرة الممتدة، إذ إن الطفل في نهاية الأمر سيكون دائماً مرجعه إلى العائلة والأسرة الكبيرة.
|