سلام سرحان من الصعب إحصاء ملامح ثقافية محددة لأعوام أصبحت تنتج “ثقافة” في أسبوع واحد أكثر مما كانت تنتجه في عام كامل قبل عشرة أعوام، وفي يوم واحد أكثر مما كانت تنتجه في عام كامل قبل 30 عاما، المقصود هنا كمّ الإنتاج، الذي من الصعب غربلته في ظل عدم وجود معايير أو جدوى أو جمهور أو شريحة قراء واسعة. الملامح الحاسمة للمشهد الثقافي لم يعد بالإمكان حصرها في جدول زمني لعام واحد، وموجاتها لم تعد تقتصر على بلد معين، في ظل تسونامي الحروب والأحداث السياسية وانهيار النسيج الاجتماعي في معظم البلدان العربية، ومن ضمنه نسيج الوسط الثقافي وصناعة الثقافة، التي كانت مترهلة أصلا. تعمّقت التحوّلات في الحياة الثقافية في العالم العربي خلال العام الماضي، وتلاشت ملامح الأوساط الثقافية بعد أن تلاشت المنابر الثقافية التقليدية، وانفتح طوفان بحار المواقع الإلكترونية دون معايير ثقافية، لعدم وجود بوصلة تقود تلك المواقع نحو النوعية.انفصل الوسط الثقافي بين أقلية ضئيلة تجد ناشرين تقليديين لطباعة أعمالهم ورقيا، وهو حيّز ضئيل في ظل تهافت الناشرين المبرر لنشر ما يمكن أن يجد من يشتريه، من الكتب المثيرة التي ليس للثقافة حصة تذكر فيها. أما غالبية المثقفين، فلم تعد أمامهم فرصة لنشر أعمالهم، إلا إذا دفعوا للناشرين مبالغ كبيرة، وحتى هذه الظاهرة التي سادت لنحو عقدين انحسرت في العام الماضي، بعد أن استعاض أولئك الكتاب بفضاءات الإنترنت والتواصل الاجتماعي لتداول أعمالهم بدل أن يدفعوا أموالهم الشحيحة للناشرين. تعمقت التحولات في الحياة الثقافية في العالم العربي خلال العام الماضي وتلاشت ملامح الأوساط الثقافية في موازاة ذلك، تعمّق انحسار القراءة المزمن بشكل كبير في العالم العربي، بعد أن انتزعت الفضائيات وساحات التواصل الاجتماعي الوقت الضئيل الذي كان مخصصا للقراءة.وتعمّق أيضا الانفصال بين الجزر الثقافية العربية، رغم أن انتشار الإنترنت كان يفترض أن يزيل الحدود فيما بينها، قد لا تجد واحدا في المئة من الكتاب العراقيين أو المغاربة أو التونسيين قد سمعوا باسم أبرز شاعر أو كاتب صاعد في مصر أو لبنان أو السعودية أو الجزائر أو أيّ بلد آخر غير بلدهم!العجيب أن معظم مجاميع الفيسبوك والمواقع الثقافية الإلكترونية تبدو وكأنها مخصصة لبلد واحد، وقلما نجد من ينشر فيها من بلد آخر.بل إن معظم أصدقاء الكتاب والمثقفين في مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك، هم من بلدانهم، ومن النادر أن نجد من يتفاعل مع صفحاتهم أو ينشر فيها من بلد آخر!التحوّلات الواسعة والسريعة لم تتمكن من تشكيل ملامح خاصة في عام 2014، لأنها كانت تتقلب وتتغيّر بإيقاع صاخب وسريع، حتى أن مخاضها قد لا يستقرّ خلال وقت قريب أو حتى بعيد، بسبب الصدمات المتلاحقة واتساع حفرة عدم الاستقرار.
|