واشنطن بوست
لم تنشغل واشنطن بإنهاء عمليات القوات الأميركية في أفغانستان، ولم تولها الاهتمام. ويرغب شطر راجح من الأميركيين، بمن فيهم الرئيس باراك أوباما، في طي الحرب في أفغانستان التي استمرت ثلاثة عشر عاماً، والمضي قدماً. ولكن مع الأسف، الحرب هناك تستعر، ويتفاقم الخطر على كل إنجازات التحالف الدولي الذي قادته واشنطن. في الأشهر الأخيرة، تعاظمت وتيرة هجمات «طالبان»، واستهدفت العاصمة كابول التي كانت نسبياً في منأى منها. وتحزم مؤسسات الإغاثة الدولية حقائبها وتغادر العاصمة بعد هجمات وتفجيرات استهدفت الأجانب وتجمعاتهم في كابول. وبدأ أفغان مثقفون وغيرهم ممن جاء من الخارج للاستثمار، رحلة العودة إلى المهجر. والحكومة الجديدة، وعلى رأسها أشرف غني، وعدت بمكافحة الفساد وسوء الإدارة اللذين غلبا على حكومة حامد كارزاي، لكنها تعاني انقسامات داخلية. والجيش الأفغاني الذي أسسته الولايات المتحدة وحلفاؤها بكلفة باهظة يواجه مشكلات كثيرة: أكثر من خمسة آلاف جندي وشرطي قتلوا هذا العام. وهو عدد يفوق عدد ضحايا جنود التحالف الدولي منذ 2001 إلى اليوم. وأبلغ الجنرال جوزيف أندرسون الذي غادر أفغانستان بعد الإشراف على العام الأخير من العمليات الأميركية، صحيفة «نيويورك تايمز» أن الخسائر في القوات الأفغانية وعمليات التسرب من الجيش، بلغت مبلغاً لا يحتمل. وطعن في قدرة القوات الأفغانية على جبه زحف «طالبان» والتصدي لها. وقد يتفاقم تدهور الأوضاع إذا تمسك الائتلاف الدولي بالجدول الزمني للانسحاب الذي حدده أوباما لإنهاء العمليات العسكرية وسحب ما تبقى من القوات الأميركية.وتقلص عدد قوات «الناتو» من 130 ألف جندي عام 2013 إلى 12 ألفاً بينهم 10 آلاف و800 جندي أميركي. وأمر أوباما بخفض عدد القوات الأميركية إلى 5500 جندي نهاية 2015، وإلى مئات قليلة في نهاية ولايته في العام الذي يليه. وهذا جدول زمني سياسي يناسب طموحات الرئيس، لكنه لا يحتسب الوضع العسكري.وليس مفاجئاً أن يسعى الرئيس الأفغاني، أشرف غني، إلى استمالة عدد من كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية من أجل إبطاء وتيرة سحب القوات الدولية وإبقاء عدد أكبر منها في 2016. ووفق صحيفة «وول ستريت جورنال»، لم يقدم الرئيس الأفغاني الجديد بعد طلباً رسمياً بتخفيف وتيرة سحب القوات، لكنها ترجح أن يبادر إلى ذلك خلال زيارته واشنطن مطلع 2015. وأظهر أوباما بعض المرونة: رفع عدد القوات الأميركية موقتاً ألف جندي هذا الشهر للتعويض عن تردد الحلفاء في إبقاء قواتهم، وتعديل قوانين الاشتباك في 2015 لتشمل مهمات قتالية ضد «طالبان» أو «القاعدة»، وتقديم دعم جوي للقوات الأفغانية. وحري بأوباما ألا يكتفي بهذه الإجراءات. ووراء غياب الاستقرار في أفغانستان وهجمات «طالبان» المتزايدة موقف الولايات المتحدة وحلفائها المبهم إزاء دعم الحكومة والجيش في أفغانستان والحؤول دون هزيمتهما. وعلى الرئيس الأميركي أن يعلن أنه لن يسمح بسقوط الدولة التي بنيت منذ 2001، ولو ترتبت على موقفه إعادة نظر في جدول الانسحاب الأميركي.
|