التحليل السياسي / غانم عريبي
اسم على مسمى واهلها الطيبون مجاهدون ومقاتلون لكنهم يعانون كثيرا بسبب النقص الحاد والقاسي في نظام الخدمة الوطنية. ان الحسينية التي يسكنها قرابة المليون مواطن عراقي ليس لديهم شارع «بيه خير» او مشفى يقصدونه للاستشفاء، واذا اراد احدهم ان يرسل زوجته الى «مستشفى حمادي شهاب» الذي يقع خارج الحسينية فعليه ان ياخذ بالاعتبار ان تضع زوجته حملها في سيارة النجدة او سيارة الشرطة، اذ لا سبيل الى الوصول في الليل والناس نيام، ولا وجود للسيارات الاجرة في المنطقة ولا شوارع الا ان تلد المراة في سيارة النجدة وقد حدث هذا الامر مرارا وتكرارا وكأننا في ارتيريا ولسنا في العراق. الحسينية التي تلد الرجال الاشاوس والمقاتلين البررة لشعبهم وامتهم لا يملك اهلها مستشفى حكوميا باستثناء مشروع لاقامة مستشفى عام يتسع لاكثر من 200 سرير وضع حجره الاساس رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وباشرت شركة تركية ببنائه لكنها توقفت منذ امد بسبب نقص الاموال الحكومية بهذا الشأن. الحسينية من «الحسين» والمدينة تغرق كل «مطره» بطين المرارة والفجيعة، وليتك اخي الرئيس تنظر لعباءات اخواتك وامهاتك النسوة العراقيات من مختلف الاعمار، وهن يتسربلن بالماء الملوث والطين اللزج الذي اذا التصق بعباءة احداهن فأنها لن تستطيع ازالته الى الصيف الذي يلي شتاء المطرة المفجعة. انا لا اتحدث اليك وكأنني احاول ان استدر عطفا معينا من احد، فأنت رئيس وزراء العراق والأخ القيم على شؤون رعيته مثل الامام علي «ع»، وكل المسؤولين والدعاة في اطار الخدمة الوطنية، ومن واجبك اخانا الكريم ان تزور مدينتك المنكوبة، وهي تلهج يوميا بذكر الله وتسأله بعلي وفاطمة والحسين ان يخلصها من معاناة الحسينية. لقد نشأت تلك المدينة الكبيرة واستقر اهلها قبل سقوط النظام العراقي السابق بسنوات لأنها الارخص والأقل كلفة والأبعد عن عيون الشرطة السرية للنظام السابق التي كانت تحبس الانفاس، وقد اخفت الحسينية عددا كبيرا من الحسينيين من ابناء التيار الاسلامي في بيوتها، ونالت شرف مقارعة النظام العراقي لكنها بعد التغيير الوطني بقيت على حالها فلم تشهد تبليط شارع ولا «دربونة» لكنها شهدت تشييع مواكب من الشهداء دفاعا عن الضلوعية والانبار والبغدادي وجوامع اهل السنة «انفسنا»، كما يسميهم الامام المرجع وقدمت قوافل الحسينيين والمجاهدين وظلت تترقب الافق على الجسر الذي يقع في نهايتها عل مسؤولا في الدولة العراقية، يزورها ويتكرم عليها بتبليط شارع او ترميم رصيف. المجلس البلدي في الحسينية يتذرع بنقص الاموال وعدم وجود تخصيصات حقيقية، واذا باشر المجلس البلدي بمشروع كما جرى الامر قبل فترة من الزمن حيث باشر بمد انابيب المجاري فسرعان ما يتوقف العمل بالمشروع وهو ما حدث بالفعل ويبقى المواطن الحسيني يتقلب بين اطباق العذاب ويسال وما من جواب. انا اعرف انك ستقول لهم ان المسؤول الاول هو مجلس المحافظة ومحافظة بغداد، وسمعت في الفترة الاخيرة ان الحسينية تحولت الى قضاء لكن يبقى رئيس الوزراء هو المبادر الاول والمسؤول الاول والأخ العبادي متدين ورجل منظم في حزب عتيد بعلاقته بالأحكام الشرعية، ويعرف ان هذا المسؤول محكوم بالنص الرسولي الذي يقول «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، وهؤلاء الناس الغلابة هم رعيتك اخي الرئيس. ان هذه المدينة ومدن شبيهة مثلها هم خزان الثورة والقطاع الشعبي، الداعم للحكومات العراقية مستبعد التغيير ومن على اكتافهم وجهودهم وطيبتهم تنهض مسؤوليات الوظائف الوطنية الكبرى وأهمها ادفاع عن العراق في مواجهة داعش والإرهاب العربي والأجنبي. عاتبني شاب من اهل المدينة وكان يظنني مقربا من رئيس الوزراء وقال لي «انا الان في الحشد الشعبي وأقاتل في الانبار مع الجيش والسرايا وكتائب المجاهدين وسننتصر بعون الله لكنني حين انزل بإجازة وارى شوارع مدينتي بائسة والطين يأكل بيوتنا وانهار ماء المجاري يجتاح غرف نومنا، يتسرب اليأس الى نفسي وأتساءل بمرارة كيف يمكن ان اكون بالروحية الكبيرة التي اقاتل فيها داعش من اجل وطني، والمسؤولون فيه لا يوفرون لنا ابسط مستلزمات السلامة والعيش الامن من ذباب مياه المجاري؟!». وعدته ان اكتب عن «الحالة» وان اجهر بصوتي وأوصل رسالته ورسالة الآلاف من الاهالي اليك علك تزورهم وتتطلع على المعاناة «الكربلائية» التي يعانونها ويتألمون منها، ومن واجبي وأنا في السلطة الرابعة ان انبه وأشير وأقول لك في النهاية ان شرارة الثورات تبدأ من الارياف والضواحي وقد فعلها الحسينيون في الحسينية، واقفلوا الطريق العام وتجمعوا وتحدثوا الى الجيش في زمن الحكومة السابقة وطالبوا وهم في عز «ثورتهم» ان يبلطوا لهم شارعا رئيسيا حتى لا يلجأوا الى ما هو اتعس من التظاهر.. اخي الرئيس.. الحسينية اسم له ايقاع خاص مثلما كان الحسين رسالة في الثورة فان الحسينية رسالة الحسين لكل من يتولى الامر ان الناس امانته في اعناق المسؤولين.
|