بقلم/ محمد حمدي
بدايةً، فهذهِ ليستْ رسالة دعوةٍ بقدرِ ما هيَ رسالةُ عتابٍ. عتابٌ بقي مختبئاً في داخلي مدة طويلة من الزمن ولطالما وددتُ أنْ أوجههُ إلى أبناءِ جيلي ممن فقدوا بوصلةُ الطريقِ وانحرفوا عنْ جادةِ الصوابِ وأصبحتُ تتخبطهمْ الطرق فقسم مشى في هذا الطريقِ وقسمٍ مشى في طريقٍ آخرَ حتى غدوا على الحال التي بتنا نعرفهم بها اليوم. وأنا هنا لست بصددِ البحثِ في الأسبابِ التي أدتْ إلى تدهورِ الجيلِ الحاليِ ولستَ أيضا بصددِ معالجتها فهذا مما يطولُ الحديثُ فيهِ. إنما أنا هنا اليومَ بصددِ مخاطبة منْ بقيَ لديهمْ شيء منْ التعقلِ من أفراد هذا الجيل بحيث تكون دعوتي هذه سبباً في العبور بهمِ إلى واقعٍ جديدٍ يمكّنهم من أن يكونوا أفراداً يصلحون لقيادة أنفسهم وقيادة مجتمعاتهم. وقد علمتم من خلال قراءتكم للعنوان أن كاتب هذهِ الرسالةِ هوَ ابن لهذا الجيلِ لذلك أودُ أنْ أؤكدَ هنا على نقطةٍ مهمةٍ وهيَ أنَ الأحكامَ التي تصدرُ من الأشخاص الذين لم يعايشوا هذا الجيل معايشة فعلية قدْ تختلف درجة مطابقتها للواقع عن تلك الأحكام التي تصدر من الأشخاص الذين عايشوا هذا الجيل وخرجوا منه باستنتاجات حقيقية تستند إلى أرض الواقع خصوصاً وأن ابن هذا الجيل يعرف جيداً ما الذي يحدث لأبناء جيله وما الذي يمر بهم من متغيرات. والناظر عن قرب في أحوال جيل اليوم فإنه حتماً سيجدُ أنَ معظمَ أخلاقِ هذا الجيلِ قدْ انحدرتْ نحوَ هوةٍ سحيقةٍ ومنْ سقطتْ أخلاقهُ في تلكَ الهوةِ أصبحَ منْ الصعبِ عليهِ أنْ يخرجَ بنفسهِ منها وأيضاً سيجدُ أنَ هذا الجيلِ قدْ باتَ غارقاً في التفاهةِ والعبوديةِ الماديةِ. وأقصدُ بالعبوديةِ الماديةِ ما طرأَ على غالبيةِ أفرادِ الجيلِ الصاعدِ منْ مظاهرِ التعلقِ بالماديات وربطَ القيمةَ الذاتيةَ بما يمتلكهُ الفردُ منْ سلعٍ أوْ منتجاتِ أوْ حتى ربطها بعددِ المتابعينَ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِ. نعمْ وللأسفِ فقدْ أصبحَ الجريُ وراءَ التفاهاتِ هيَ السلعةُ الرائجةُ بينَ شبابِ هذهِ الأيامِ واندثرتْ قيمُ الأجيالِ السابقةِ منْ الشبابِ الذينَ كانوا ولا زالوا يضرب بهمْ المثل في شتى المواقفِ والذينَ سطروا أروعُ الدروسِ في الصبرِ والإصرارِ والمثابرةِ وفي النجاحِ والتفوقِ والإبداعِ لا سيما الجيلُ الذي عاشَ فترةِ الحروبِ والحصارِ وغيرها من الفتراتِ الصعبة التي شهدها العراقُ والتي لا زالتْ قصصهمْ تروى لنا من قبل آبائنا أوْ من قبل أجدادنا والتي للأسفِ أصبحتْ قيمهمْ تصنفُ وبشيءٍ منْ السخريةِ والتهكمِ ضمنَ قيمٍ (جيل الطيبينَ) الجيلَ الذي لمْ يعرفْ للوقاحةِ طريقاً ولا للسفالةِ والانحطاط سبيلاً. نعمْ يا سادة فأنتمْ اليومُ أمامَ جيلٍ يحتضر أخلاقياً وفكرياً وثقافياً ولولا وجودُ بعضِ الحالاتِ الاستثنائيةِ التي تعطينا بعضُ الأملِ وتقولُ لنا بأنَ لا زالَ هناكَ خير في هذا الجيلِ ولا زالتْ هناكَ طريقةٌ يمكنُ إصلاحهُ بها لكنا حكمنا على هذا الجيلِ بالموتِ النهائيِ. ومنْ هنا فأنا أدعو الإخوة والأخوات من أبناء هذا الجيل إلى النظرِ في أحوالهم ومحاسبةٍ أنفسهم محاسبةً دقيقةً تكونُ بميزانِ الدينِ أولاً وبميزانِ الضميرِ والأخلاقِ ثانياً وأدعوهم أيضاً إلى النظرِ في أحوالِ بلدهم وأحوالِ أمتهم وأقول لهم: أنتم ترونَ بأعينكمْ وتشهدونَ بأنفسكمْ ما نمرُ بهِ وما نعيشهُ وكيفَ تسلط علينا الأعداءُ منْ مختلفِ بقاعِ الأرضِ وكيفَ حاربونا بفكرهمْ وبثقافتهمْ قبلِ أنْ يحاربونا بأسلحتهمْ وكيفَ استطاعوا أنْ ينجحوا في جعلكمْ أدوات لهمْ تروجونَ لفكرهمْ ولثقافتهمْ حتى أصبحتمْ تدافعونَ عنهمْ وتقفونَ موقف الداعمِ لهمْ عندَ أدنى انتقاد أوْ أدنى نصيحةٍ يوجهان لكمْ. فيا إخوتي وأخواتي لقدْ آن لكمْ أنْ تقفوا تلكَ الوقفةِ التي ننتظرها منكمْ جميعاً لقدْ حانَ الآن أنْ نقفَ سوية وأنْ ننهضَ بواقعِ شعبنا وبواقعِ أمتنا العربيةِ والإسلاميةِ ونحمل معاً على عاتقنا همَّ الدين والإسلام .. وحان أيضاً أن نحطم قيود التفاهة ونرفع عالياً راية التحضر والفكر والثقافة .. فهلموا بنا نحقق مجدنا الضائع! |